رحل عن دنيانا العالم الموسوعى الكبير والمفكر الإسلامى المجدد والفقيه القانونى الدستورى والدولى الرائد الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد بعد حياة حافلة بالعطاء لوطنه وأمته العربية والإسلامية وللبشرية جمعاء، وبعد أن تعلم على يديه الملايين داخل مصر وعلى امتداد العالمين العربى والإسلامى وعبر العالم أفكار الحوار البناء والتسامح المتبادل والتعايش المشترك والتعاون من أجل بناء مستقبل أفضل للإنسانية.
وهناك الكثير والكثير، وفى ميادين كثيرة ومتنوعة، الذى يمكن أن يقال عن الراحل الكريم الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وإسهاماته القيمة وإرثه الغزير، ولكننى أكتفى هنا بتناول جانب واحد فقط، وهو ذلك المتعلق برؤى ومواقف الفقيد تجاه الشباب وقضاياه، خاصة الشباب المصرى، سواء على المستوى العملى أو على الصعيد المفاهيمى.
وقد بدأت علاقة الراحل الكريم فى الحياة العامة مع الشباب منذ فترة مبكرة، كان منها دوره القيادى فى تأسيس منظمة الشباب، فى نهايات النصف الأول من عقد الستينيات من القرن العشرين، وما تلى ذلك من توليه، رحمه الله، مسئولية رئيس المكتب الثقافى المصرى فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان من ضمن مهامه الإشراف على الدارسين والباحثين المصريين الشبان الذين يعدون رسائلهم للحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه فى الجامعات الأمريكية، ثم تولى مسئولية أمانة الشباب بالاتحاد الاشتراكى العربى، التنظيم السياسى الوحيد فى مصر آنذاك، فى مطلع عقد السبعينيات من القرن العشرين.
لكننى أعتبر من جانبى أن من أهم محطات العلاقة فى الحياة العملية بين الراحل الكريم الاستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وبين الشباب المصرى هى فترة توليه مسئولية وزارة الشباب فى السنوات الأولى لحكم الرئيس الراحل أنور السادات، وهى فترة للأسف أنها لم تستمر طويلا، ولكنها كانت، بالمقابل، فترة مهمة للغاية فى تاريخ مصر وتاريخ حركة الشباب المصرى بصفة عامة والحركة الطلابية المصرية على وجه الخصوص.
فقد شهدت تلك الفترة الحركة الطلابية الوطنية الشهيرة فى عام 1972، وكان لى الفرصة فى فترة زمنية سابقة أن أستمع مباشرة من عدد من قادة تلك الحركة لشهادات حية مباشرة بشأن وقائع تلك الحركة، وأذكر هنا على سبيل التحديد الراحل الدكتور أحمد عبدالله رزة، والذى يعتبر أحد زعماء تلك الحركة، إن لم يكن زعيمها الأول، والدبلوماسى أنس مصطفى كامل، والذى لعب دورا قياديا فى تلك الحركة، وذلك بعد سنوات من هذه الحركة الطلابية شديدة الأهمية فى تاريخ مصر المعاصر.
وتحديدا أتيحت لى فرصة الاستماع إلى تلك الشهادات فى عقد الثمانينيات من القرن العشرين، أى بعد مرور أكثر من عقد على وقائع وفعاليات تلك الحركة الطلابية. وذكر كلاهما لى فى ذلك الوقت، كل على حدة، أنهما خلال تقييمهما بعد سنوات مضت على ما حدث خلال حركة 1972 الطلابية وما تضمنه ذلك من مراجعة المواقف خلال تلك الحركة، توصلا إلى نتيجة مفادها أن الراحل الكريم الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد كان واحدا من الأكثر حرصا، ضمن صفوف كبار المسئولين المصريين المعنيين بالتعامل مع هذا الملف فى تلك الفترة الحرجة، على صالح الشباب المشارك فى الحركة، والطلاب منهم على وجه الخصوص، فهو كان واحدا ممن تصدوا بقوة لطرح السماح لقوات الأمن المركزى آنذاك باقتحام حرم الجامعات الكبرى، خاصة جامعة القاهرة ذات الدور الرائد خلال تلك الحركة، لحماية حرمة الجامعات وللحفاظ على أرواح الطلاب فى آن واحد، كما أنه كان، بحسب هذين المصدرين، الأكثر صبرا وسعيا للحوار والإقناع من رموز الحكومة آنذاك فى نقاشاته ومفاوضاته الممتدة مع الطلاب المتظاهرين والمعتصمين، كذلك كان رحمه الله الأطول بالا فى تلك الحوارات، وكذلك كان الفقيد الكريم من ضمن الأكثر حرصا ضمن صفوف هؤلاء المسئولين على مستقبل هؤلاء الشباب والطلاب والأشد رفضا لاعتقالهم أو لأى صورة من صور الإضرار بدراستهم ومستقبلهم.
ومن الصحيح أن الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد لم يبقَ فى منصبه كوزير للشباب كثيرا بعد تلك الحركة الطلابية فى عام 1972، ولكنه بقى حتى وفاته، رحمه الله، شديد الاهتمام بالشباب وكثير التأكيد على ضرورة منح الشباب دائما الفرص لتصدر المشهد فى حياة المجتمعات والشعوب بهدف تمكينهم من تحمل المسئولية والتعلم من التجربة والخطأ، معبرا عن قناعات راسخة بأن هؤلاء الشباب هم من يملكون مفاتيح المستقبل ويحملون آماله فى صفوف أممهم وشعوبهم، مع التركيز على الشباب المصرى وفى العالمين العربى والإسلامى على وجه الخصوص، وهى قناعة راسخة لديه، رحمه الله، كنت شاهدا مباشرا عليها فى مواقف متعددة ومختلفة شرفت بأنها جمعتنى به على مدار سنين، بل عقود طويلة.
رحم الله الفقيد الكبير بقدر عطائه الغزير ومنح أسرته الكريمة الصبر والسلوان ومنح أفراد تلك الأسرة الكريمة وتلاميذه، وهم كثر، القدرة على تخليد تراثه الكبير والممتد عبر كتب ودراسات ومقالات ومحاضرات صدرت ونشرت بالكثير من لغات العالم أو ترجمت إليها، بحيث يكون هذا التراث متاحا لأجيال من الشباب، خاصة داخل مصر وعلى امتداد الأمتين العربية والإسلامية، للنهل منه واستلهامه فى مسيرة التنوير، وللشباب فى العالم بأسره لتعريفهم بمواقف مهمة ومتميزة ومستنيرة حول الدين والتراث والفكر والثقافة والحضارة والحوار والتسامح والفهم المشترك والتعايش البناء.