الحرب على إيران.. المتغير الأمريكى - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 26 يونيو 2025 4:54 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

الحرب على إيران.. المتغير الأمريكى

نشر فى : الأربعاء 25 يونيو 2025 - 8:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 يونيو 2025 - 8:40 م

فى اليوم العاشر من بدء الحرب الإسرائيلية على إيران، حدث المتغير الذى توقعه البعض واستبعده البعض الآخر منذ بداية هذه الحرب، وهو التدخل العسكرى الأمريكى المباشر من خلال ضرب قاذفات قنابل أمريكية لثلاثة مواقع نووية إيرانية فى أماكن مختلفة من إيران، وما أعقب ذلك من إعلان الرئيس الأمريكى ووزير دفاعه نجاح الهجوم بالكامل والقضاء على البرنامج النووى الإيرانى، ثم إعلان مسئولين إسرائيليين أنهم يقومون بعملية تقييم آثار ونتائج الضربة الأمريكية مع تأكيد استمرار إسرائيل فى توجيه ضربات لإيران بغض النظر عن نتائج الضربة الأمريكية، وعدم إعلان إيران، حتى ساعة كتابة هذا المقال، عن النتائج الكاملة والنهائية للضربة الأمريكية سوى أنه لا توجد مخاطر انتشار إشعاع نووى، لأن المواد المخصبة تم نقلها من تلك المواقع تحسبًا للهجوم عليها. وعاد الرئيس الأمريكى ليتحدث، عقب قصف إيران لقاعدة «العديد» العسكرية الأمريكية فى قطر يوم 23 يونيو ردًا على الهجمات الأمريكية، عن نجاحه، بالتنسيق مع قطر، فى التوصل لوقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران، ثم اضطر للاتصال مباشرة هاتفيًا برئيس الوزراء الإسرائيلى يوم 24 يونيو لممارسة ضغوط عليه لاحترام هذا الاتفاق بسبب استمرار الخرق الإسرائيلى لوقف إطلاق النار.

وقد ذكرنا فى مقال سابق (جريدة الشروق، عدد الخميس 19 يونيو 2025)، أنه بينما ادعى الجانب الإسرائيلى وقت بداية الضربات العسكرية على إيران عدم احتياجه لأى دعم خارجى، فقد أعلن فى اليوم الثالث للحرب أن الولايات المتحدة تعاونه فى «مسائل دفاعية».

وقد جاءت الضربات الجوية الأمريكية لمواقع ومنشآت نووية لتعلن دخول واشنطن الحرب بجانب تل أبيب، رغم حرص مسئولين أمريكيين الإعلان عن أنه إذا أوقفت إيران إطلاق النار من جانبها فإن واشنطن لن تتمادى فى ضرباتها العسكرية ضدها، كما أن الرئيس الأمريكى سارع عقب الهجوم على القاعدة الأمريكية فى قطر إلى نفى أن يكون الهجوم قد أوقع خسائر، بل وذهب إلى حد توجيه الشكر للإيرانيين لأنهم أخبروا واشنطن مسبقًا بالهجوم مما جعل الأمريكيين يخلون القاعدة قبل ضربها!

ولكنه أيضًا سارع إلى التحدث مع الجانب القطرى للحديث مع الإيرانيين بشأن وقف فورى لإطلاق النار، وقد عزا البعض ذلك التحرك السريع من الإدارة الأمريكية إلى طلب عاجل من تل أبيب لواشنطن بالتدخل لفرض وقف لإطلاق النار، بينما أرجعه آخرون إلى تخوف أمريكى، بناء على تحذير من عدد من مستشارى ترامب له، من مخاطر اتساع نطاق وإطالة زمن الحرب والانعكاسات الكارثية لذلك السيناريو على الأمن القومى الأمريكى والمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط والخليج وأمن واستقرار حلفاء واشنطن فى المنطقة، وكذلك تداعياته شديدة السلبية التى بدأت آثارها تظهر بالفعل بالنسبة للاقتصاد العالمى بشكل عام والأمريكى على وجه الخصوص، وهو ما ظهر بوضوح على مدار الأيام الماضية فى أسواق المال والسندات وأذونات الخزانة وغيرها مما يخضع للمضاربات فى الأسواق الرأسمالية الأمريكية والغربية والعالمية، ويمكن أن يكون السيناريوهان المذكوران فيما سبق صحيحين معًا.

وحتى كتابة هذا المقال، فهناك تشكيك، حتى من داخل الولايات المتحدة ذاتها من أن الضربات العسكرية الأمريكية وكذلك الـ 12 يومًا من الضربات الإسرائيلية قد حققت نجاحًا فى «القضاء» على البرنامج النووى الإيرانى، بل إن الرئيس الأمريكى ذهب يوم 24 يونيو إلى حد الهجوم على شبكة «سى. إن. إن» الإخبارية الأمريكية ذائعة الصيت بتهمة التشكيك فيما حققته الضربات الجوية الأمريكية، كما أن البعض الآخر داخل واشنطن وتل أبيب، بل وربما حتى فى بعض عواصم إقليمية ودولية أخرى، غير سعيد بوقف إطلاق النار فى هذه المرحلة باعتبار أن هؤلاء كانوا يتطلعون إلى أن تؤدى الحرب إلى الإطاحة بالنظام الحاكم فى إيران بشكل كامل وإعادة تشكيل المشهد السياسى الإيرانى على النحو الذى تم فى أفغانستان فى 2001 وفى العراق فى 2003.

ولا شك أن الضربات الأمريكية على إيران قد أضفت بعض المصداقية على ما أعلنته إيران مسبقًا عن شكوكها فى أن الهجوم الإسرائيلى عليها جاء بتنسيق مسبق بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية ولتحقيق أهداف متفق عليها بينهما.

إلا أن الأهم هو أن الهجوم الأمريكى، ومن بعده التوسط الأمريكى لوقف إطلاق النار، أعطى مصداقية لثلاثة أمور أخرى: الأول هو أن التدخل العسكرى الأمريكى يعتبر ضمنيًا إقرارًا بفشل عشرة أيام من الهجمات الإسرائيلية المركزة على مواقع كثيرة فى مختلف أقاليم ومدن إيران، وأن التدخل الأمريكى اللاحق لفرض وقف إطلاق النار يتوج هذه القناعة، والثانى هو أن تل أبيب كانت قد طلبت من واشنطن تزويدها بنوع معين من القنابل ذات قدرة اختراق عالية تحت الأرض، ولكن من الواضح أن واشنطن رفضت تزويد إسرائيل بها وفضلت أن تقوم قواتها الجوية مباشرة بالعملية، وليس قيام إسرائيل بها بالوكالة، والثالث، أن إسرائيل ذاتها، غير المستعدة لخوض حرب استنزاف طويلة المدى، أدركت أنها لن تحقق أكثر مما حققته فى الحرب مع إيران، ولذا طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية التدخل لفرض وقف إطلاق النار، وإن كانت، كالعادة التاريخية معها دائمًا فى الحروب السابقة، انتهكته لتجنى بعض مكاسب الساعات الأخيرة.

ولا شك أن الأيام القادمة ستكون كاشفة عن مدى التورط الأمريكى منذ البداية فى الهجوم الإسرائيلى على إيران ودعمه، وإذا كان وقف إطلاق النار الذى تم برعاية أمريكية وقطرية سوف يصمد أم سينهار، وعن حجم الخسائر التى عانت منها إيران من جراء القصف الإسرائيلى والأمريكى، وعن نوايا إيران المستقبلية بخصوص برنامجها النووى، وهل ستتمسك به كما يقول مسئولوها حتى الآن أم ستكون مستعدة لمقايضته مقابل مكاسب أخرى من الغرب عمومًا، ومن الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، أم تقرر الخروج من معاهدة عدم الانتشار النووى كليةً، كما يتعين إجراء الدراسة المتعمقة لمواقف مختلف الأطراف الإقليمية والدولية ذات الـتأثير تجاه الحرب على إيران، خاصة فى ضوء استمرار، بل وتصعيد، الحرب الإسرائيلية فى غزة بتداعياتها الإنسانية الكارثية الفاضحة والكاشفة للمجتمع الدولى بأسره، لتحقيق قراءة أفضل للمتوقع القادم فى هذه البؤرة المشتعلة من عالمنا.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات