واجب الحكومة.. وواجب المواطن - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

واجب الحكومة.. وواجب المواطن

نشر فى : الإثنين 15 يوليه 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 15 يوليه 2024 - 7:15 م

أحد الأسباب الرئيسية لحالة سوء الفهم المستمرة منذ سنوات طويلة بين غالبية المواطنين وكل الحكومات بلا استثناء تقريبا، هى أن المواطن لا يريد أن يصدق أن صيغة العلاقة بين الطرفين التى بدأت منذ ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ قد تغيرت إلى حد كبير، وأن الدولة باختصار، لا تريد أن تستمر علاقة الأبوة الكاملة، بل تريد للمواطن أن يبتعد عن الاعتماد عليها إلى حد كبير ويعتمد على نفسه.
نتذكر أن ثورة يوليو وبعد ٤٥ يوما فقط من قيامها أصدرت المرحلة الأولى من قوانين الإصلاح الزراعى، ووزعت الأراضى على الفلاحين المعدمين، ثم قامت الثورة ببناء المساكن الشعبية للمواطنين بل إنها قامت بتخفيض قيمة إيجارات المساكن أكثر من مرة لمصلحة المستأجر على حساب المالك فى ظل قوانين العلاقة بين المالك والمستأجر والمستمرة حتى الآن فى حين انتهت هذه العلاقة فى الأراضى الزراعية.
وخلال نفس الحقبة صار التعليم والعلاج مجانا للجميع تقريبا. وكانت هناك الجمعيات التعاونية التى تبيع السلع بأسعار التكلفة، بل هناك أيضا محلات تبيع الملابس أيضا بأسعار اقتصادية مثل صيدناوى وعمر أفندى.
هذه السياسات والتى تعجب الفقراء ومحدودى الدخل وتغضب غيرهم، قادت من وجهة نظر بعض خبراء الاقتصاد المعارضين لنهج ثورة يوليو ١٩٥٢ إلى ظاهرة خطيرة وهى اتكالية المواطن على الحكومة فى كل شىء، ليس فقط فى التعليم والعلاج، وهو أمر معمول به فى الكثير من الدول الرأسمالية، ولكن فى التوظيف والمأكل والملبس، ودعم غالبية السلع من أول رغيف الخبز إلى أنبوبة البوتاجاز، وأسعار الخدمات المختلفة.
هذه السياسة الاعتمادية الكاملة استمرت بقوة طوال الستينيات والسبعينيات، بل والثمانينيات من القرن الماضى، ثم بدأت تتراجع إلى حد ما فى التسعينيات وأوائل الألفية، لكنها ظلت موجودة بطرق أو بأخرى حتى هذه اللحظة ويمكن ملاحظتها ببساطة فى العديد من الأمور، من أول برنامج تكافل وكرامة نهاية بدعم الوقود والخبز. سيقول البعض ولكن الأسعار مرتفعة للغاية، وترد الحكومة بالقول إنه طالما أن المواطن لا يشترى السلعة بسعر التكلفة الفعلية فهو يتلقى الدعم خصوصا فى الخبز والوقود والكهرباء.
فى هذه السطور لا أناقش هل سياسة الدعم المفتوح، وحتى الجزئى صحيحة أم خاطئة، ولكن أحاول قدر الإمكان الإشارة إلى المعضلة التى تواجه الطرفين أى الحكومة والمواطن، وجزء منها صار راسخا فى الوعى الجمعى للكثيرين.
العديد من المواطنين يرون أن من حقهم أن يتلقوا تعليما وعلاجا مجانيا أو بأسعار معقولة، وهو أمر طبيعى ومنطقى كما هو موجود فى العديد من دول العالم المتقدم النامى. ويرون أن من حقهم أن توفر الحكومة فرص عمل ومساكن وخدمات مختلفة.
والحكومة تقول إنه لا توجد دولة فى العالم تقريبا تدعم العديد من السلع كما تفعل هى. وأنه حان الوقت أن يبدأ الناس فى الاعتماد على أنفسهم، كما يحدث فى كل دول العالم تقريبا.
لسان حال الحكومة يقول إن الشاب فى البلدان الغريبة يبدأ فى الاعتماد على نفسه وليس على أسرته والحكومة من أول بداية التعليم الجامعى، ولا توجد العلاقة الأبوية الكاملة من جهة الحكومة للمواطن.
كلام الحكومة سليم جدا فى هذه النقطة، لكنه ناقص تماما، لأنه إذا كانت الحكومات الغربية لا تقدم دعما كما تفعل حكومتنا وبالمناسبة هناك أنواع كثيرة من الدعم هناك.
لكن هذه الحكومات تتبع سياسات متنوعة تساهم فى توفير فرص عمل كثيرة، مما يدفع الاقتصاد الكلى للنمو، وتشجع القطاع الخاص.
نعم يحتاج المواطن المصرى أن يغير عقليته وثقافته للاعتماد الأكبر على نفسه، يحتاج أن يتعلم أكثر، لا يكفى أن يحصل على دبلوم فنى وهو لا يعرف كتابة اسمه بصورة صحيحة ثم يطالب الحكومة بالحصول على وظيفة مرموقة، كلما تعلم المواطن أكثر، وحصل على خبرات ودورات وبرامج، كلما اتسعت أمامه أبوباب العمل والرزق.
نحتاج جميعا مواطنين وحكومة إلى تغيير الكثير من الأفكار التى لم تعد تصلح لكى نلحق بالعالم المتقدم. المواطن يحتاج أن يتطور للأفضل، لكن بشرط أيضا أن تمارس الحكومة سياسات صحيحة مثلما تفعل كل الحكومات الناجحة فى العالم المتقدم.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي