قبل يومين نشرت صحيفة الأهرام رسما كاريكاتوريا ساخرا يصور مصر سيدة ترتدى الزى الفرعونى وهى تُشير بأصبعها إلى ما يصوره رسام الكاريكاتير بالمستقبل بينما فى الوقت ذاته قد التف حول خصرها حبل غليظ طرفه الآخر مقيد ٌ إلى كتلة صخرية ضخمة….الصخرة يدفعها فى اتجاه معاكس لاتجاه السيدة التى ترمز إلى مصر رجل ملتحٍ يرتدى جلبابا اختاره الرسام رمزا لمن سماهم السلفيين يجاهد الرجل وعلامات المشقة بادية على وجهه ليُسقط الصخرة ــ التى بالطبع ستجذب مصر فى إثرها ــ فى قاع هاوية سحيقة ترمز إلى «القرون الوسطى» !
المعنى النهائى لا يحتاج إلى تفصيل أكثر …السلفيون ــ حزب النور تحديدا ــ يمثلون برأى الرسام ــ ومن ثم جريدة الأهرام ــ العقبة الوحيدة أمام مصر لارتياد مستقبل واضح من الرسم أنه مشرق ٌجدا واعد ٌجدا مختلف جدا.. ليس هذا فحسب بل حزب النور سيدفعها بمفرده إلى القرون الوسطى، طبعا من خلال وجوده فى البرلمان القادم…كيف عرفت؟ آه نسيت أن أخبركم…العنوان المصدر به الكاريكاتير هو « انتبهوا»!…طبعا يرشد الناخبين المصريين أن تصويتهم لحزب النور كفيل ٌ بوصول مصر إلى هذه المأساة !
حسنا...تقبل الانتقاد فى إطار حرية الرأى مطلوب ٌ، وبغض النظر عن كون مثل هذا الكاريكاتير تحريضا مباشرا من جريدة مملوكة للدولة يدفع المواطنون ومنهم السلفيون رواتب موظفيها ضد حزب سياسى بعينه، وبغض النظر أيضا عن مصادرة الجريد لآراء ملايين آخرين لا يوافقون الكاتب رؤيته، لكنى سأتجاوز هذا كله ولن أستغل مساحتى الصحفية فى الدفاع عن موسسة شاركت فى تأسيسها ومازلت أفخر بانتمائى لها…سأتجاوزه إلى استخدام الحق نفسه الذى ستتمسح به الأهرام من حرية النقد والتعبير عن الرأى المخلف لكن بشكل أزعم أنه أكثر موضوعية وأبعد عن شخصنة الاختلاف !
فلنإننا متفقون على إرادة مستقبل مشرق ــ مع فرض أننا متفقون على ماهية هذا الإشراق ـ ولنركز سويا على رمزية الكاريكاتير فالحق أنه محرك للخيال جدا، ولنسأل أنفسنا ومعنا جريدة الأهرام العريقة: من الذى عطل مصر من زمن الفراعنة وإلى الآن عن التقدم نحو ذلكم المستقبل المشرق؟ انس السلفيين أرجوك فلم يكن ثم حزب للنور وقتئذ، إنما أنا أسأل الكبار كأمثال الأهرام، أسأل القدماء كأمثال الأهرام أسأل المحنكين الخبراء كأمثال الأهرام: من الذى عطل مصر عن ادراك مستقبلها المشرق المزعوم ؟
فلنركز أكثر على قرن واحد من الزمان، بل قل على نصف قرن فحسب، منذ خمسينيات القرن الماضى وحتى ما قبل ثورة يناير المجيدة ــ بنص الدستور ــ من الذى أخر مصر وحبسها فى قاع القرون الوسطى؟ من المسئول عن تراجع اقتصادها بعدما كانت بريطانيا العظمى نفسها مدينة لنا؟ من مزق جيشها وأنقص أرضها وقمع شعبها وأسكت كل لسان معارض وصادر كل رأى مخالف؟ من كذب على شعبه وصدر مانشيتات الصحف القومية وعلى رأسها الأهرام بالانتصارات الوهمية والويل كل الويل لمن اعترض أو طالب بحقه فى المعرفة؟ من اخترع مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ليبرر أى انتهاك لآدمية المواطن المصرى بما يفوق أبشع ما كان يحدث فى العصور الوسطى؟ من خدع المصريين بالشعارات فى الوقت الذى كانت ماليزيا تنهض والصين تنمو وكوريا تتعملق؟ من ابتكر الهاء المصريين بأخبار الراقصة والفنانة والمطرب عن أخبار فشلنا وتقهقرنا وتندر العالم بنا؟
من الذى اكتشفنا أن مرتباتهم كانت بالملايين فى وقت تضور فيه أغلب الشعب جوعا ــ ومازال طبعا ــ وقد كانوا يسودون صفحات الجرائد وعلى رأسها الأهرام بمقالات الوطنية والانتماء والشرف والإخلاص؟ من الذى كان يشيد بحكمة الرئيس وسداد الرئيس وبعد نظر الرئيس ويدعو بطول عمره ودوام ظله وليذهب شعبه المغلوب المقهور المطحون المنهوب إلى الجحيم ؟
العصور الوسطى هى التى كانت الزعماء فيها تؤله وتقدس وكذا صنعت الأهرام ولا تزال، والعصور الوسطى هى التى كان الفقير فيها يسرق وينهب ولا يحق له الاعتراض وإلا كان للوطن خائنا وللجميل ناكرا وكذا روجت الأهرام ولاتزال، والعصور الوسطى هى التى كان السحر فيها صناعة الحاشية يقلبون به الباطل حقا والحق باطلا وقد فعلت الأهرام ذلك ولا تزال من أول الانجازات الوهمية وحتى تزييف الصور بالفوتوشوب !