نوبل محفوظ بعد 24 عاما.. وما زال الجدل مستمرا! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نوبل محفوظ بعد 24 عاما.. وما زال الجدل مستمرا!

نشر فى : السبت 15 أكتوبر 2022 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 15 أكتوبر 2022 - 8:45 م
ــ 1 ــ
رغم مرور أربعة وعشرين عاما على إعلان لجنة جائزة نوبل للآداب منحها الجائزة إلى نجيب محفوظ عن مجمل أعماله (وليس عملا واحدا كما يدعى غير العارفين ولا الفاهمين) وما قدمه للإنسانية من أدب رفيع خالد، أشارت إلى بعض قيمه الإنسانية فى حيثياتها المعلنة والمنشورة، فإن أصداء وتداعيات هذا الحدث الكبير ما زالت متواصلة حتى الآن!
فى أكتوبر من كل عام، وقبل إعلان اسم الفائز يتجدد النقاش ويشتعل الجدل حول نوبل، وحول لماذا لم يحصل عليها أو يترشح لها أحد من الأدباء والكتاب العرب منذ نجيب محفوظ وحتى وقتنا هذا!
ثم وعلى الهامش يتجدد جدل بيزنطى عقيم ولا أتردد فى وصفه بالتافه حول جدارة واستحقاق محفوظ بالجائزة لأسباب غير جمالية أو فنية، ومن ثم إطلاق صيحات متهافتة من هنا أو هناك لترديد مقولات أقل ما توصف به بأنها شائهة وتافهة، وبلا معنى، وليس الغرض منها سوى الطعن فى قيمة ما قدمه محفوظ للأدب العربى، وللثقافة العربية والإنسانية كلها من أدب إنسانى رفيع، يحمل قيمًا عظيمة وجماليات فنية عالية وراقية، استوعبت كل تطورات فن الرواية الحديثة منذ نشأتها، وحتى الوقت الذى أنتج فيه محفوظ أعظم وأروع أعماله (رواية وقصة ومسرحية على السواء).

ــ 2 ــ
وعادة لا أتوقف أمام هذه المهاترات، وهذا العبث حول جدارة محفوظ بالجائزة أو استحقاقه لها، فهذا مما صار معلوما تاريخيا وفنيا وجماليا، وهو أدخل فى باب الكلاسيكيات المشهورة فى «تراث الإنسانية»، فليس هناك من أوتى البصيرة والذوق والثقافة وحساسية القراءة والنظر إلا ويسلِّم بأهمية وقيمة محفوظ ونصوصه (حتى لو لم يستسغه أو تتآلف ذائقته مع جمالية هذه النصوص العالية)، وأنه أحد كبار الكتاب فى تاريخ الإبداع البشرى بجدارة واستحقاق، وأن ما قدمه نجيب محفوظ منذ أعماله الأولى وحتى نصوصه المقطرة الكثيفة فى أحلامه الأخيرة لهى من خوالد الإبداعات الإنسانية، شأنها شأن أعمال الكبار عبر العصور، فى كل ثقافة وكل لغة وكل أدب إنسانى عظيم.
ونجيب محفوظ عندى، إبداعيا وفنيا وجماليا، لا يقل أبدًا عن مكانة «شكسبير» أو «ميلتون» فى الأدب الإنجليزى، أو «دانتى» فى الأدب الإيطالى، أو «ثربانتس» فى الأدب الإسبانى، أو «جوته» أو «توماس مان» فى الأدب الألمانى، أو «دوستويفسكى» و«تولستوى» وتوروجنيف فى الأدب الروسى... إلخ أو غيرهم من نظرائهم فى الآداب واللغات الأخرى.

ــ 3 ــ
ولعلنى أذكر فى هذا المقام تلك الكلمات التى كتبها الناقد الراحل لويس عوض (رغم أنه كان شديد القسوة على نجيب محفوظ فى مواضع عدة من كتاباته عنه!) والتى يقول فيها:
«وما عرفت كاتبا رضى عنه اليمين والوسط واليسار ورضى عنه القديم والحديث، ومن هم بين بين، مثل نجيب محفوظ؛ فنجيب محفوظ قد غدا فى بلادنا مؤسسة أدبية أو فنية مستقرة تشبه تلك المؤسسات الكثيرة التى تقرأ عنها، ولعلك لا تعرف ما يجرى بداخلها وهى مع ذلك قائمة وشامخة وربما جاءها السياح أو جىء بهم ليتفقدوها فيما يتفقدون من معالم نهضتنا الحديثة. والأغرب من هذا أن هذه المؤسسة التى هى فى نجيب محفوظ ليست بالمؤسسة الحكومية التى تستمد قوتها من الاعتراف الرسمى فحسب بل هل مؤسسة شعبية أيضا يتحدث عنها الناس بمحض الاختيار فى القهوة وفى البيت وفى نوادى المتأدبين والبسطاء».
وهو الذى كتب عن محفوظ أيضًا يقول «ونجيب محفوظ عندى كاتب من أولئك الكتاب القلائل فى تاريخ الأدب فى الشرق والغرب، كلما قرأته عشت زمنا بين أمجاد الإنسان وقالت نفسى: ليس فن بعد هذا الفن ولا مرتقى فوق هذه القمم الشاهقة».
وكلما عاودت قراءة «الثلاثية» أو «حكايات حارتنا» أو «ملحمة الحرافيش» أو «ليالى ألف ليلة» أو غيرها، قلت فى نفسى أيضًا «والله ليس فن بعد هذا الفن، ولا مرتقى فوق هذه القمم الشاهقة»!

ــ 4 ــ
وتقريبا لم يفوِّت واحد من نقادنا الكبار ومؤرخى الرواية فى مصر والعالم العربى ما أثاره فوز نجيب محفوظ من إِحنٍ وضغائن وأحقاد، وأبواب الجحيم التى انفتحت على مصراعيها فى وجهه عقب هذا الفوز من دون تعليق أو تعقيب أو كتابة مقال أو فصل فى كتاب يجلى المسألة، ويرد على المهاترات والآراء المخبولة التى صدرت تارة من اليمين المتطرف وأوغلت فى تطرفها وتعصبها وكراهيتها حتى انتهت إلى محاولة اغتياله بعد ست سنوات من حصوله على نوبل (أكتوبر 1994).
والنماذج والأمثلة أكثر من أتحصى على هذا الحمم التى انفجرت من ممثلى هذا التيار فى مصر وخارجها، وهم الذين ادعوا وأشاعوا وأذاعوا أن نجيب محفوظ قد حصل على نوبل عن روايته «أولاد حارتنا» (بالاسم) لأنها تهاجم الأديان وتتهجم على مقام الألوهية، وحاشا أن يكون قصد ذلك أو ادعاه!!
وتارة تلك التى صدرت للأسف الشديد من بعض الكتّاب الذين أصابتهم «لوثة» أو ما يشبهها فور الإعلان عن فوز محفوظ بالجائزة فتطايرت الاتهامات والأقوال غير المسئولة وغير الأخلاقية بل وغير الإنسانية أيضًا التى تتهم محفوظ بالعمالة والخيانة والتطبيع.. إلخ، وأنه لولا تلك الأمور ما كان حصل على نوبل ولا «شمها» كما كتب بعضهم ذات مرة! بل وصل الأمر عند غلاة المهووسين بنظرية المؤامرة حد الادعاء أن أول من بلغ محفوظ بفوزه بجائزة نوبل كان رئيس الوزراء الإسرائيلى «مناحم بيجين» (هكذا!!) وتهافت بعض المغمورين من النقاد وأساتذة الأدب على الادعاء بأى دعوى تنقلهم من خانة «المغامير المطامير» لعلهم يصيبون شيئا من الشهرة تعود عليهم بغنيمة هنا أو مكسب من هناك!
هكذا ادعى بعض المجانين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
(وللحديث بقية)