نشرت مؤسسة Institute for Security Studies مقالا للكاتب Mark Shaw عن أنواع الجريمة المنظمة المنتشرة بالقارة الإفريقية. ويحاول الكاتب الإجابة على التساؤل الذى يطرحه الباحثون ألا وهو «فى أى من الدول الإفريقية تنتشر الجريمة المنظمة بشكل أكثر خطورة؟ والهدف من هذا التساؤل معرفة أى الدول التى يجب أن تسارع لمواجهة هذه الأنواع من الجرائم.
بداية يشير الكاتب إلى أن الجريمة المنظمة تشتمل على أشكال مختلفة من السلوك الإجرامى، وتؤثر على القارة بشكل مختلف. فعلى نطاق واسع، يوجد فى إفريقيا أربعة أنواع من الجريمة المنظمة. هذه الأنواع تتطور بأشكال مختلفة وتتداخل فيما بينها. كما أنها تؤثر على القارة ومواطنيها بشكل مختلف، ومن ثم من الضرورى تحديد أى من الدول الإفريقية تنتشر فيها الجريمة المنظمة بشكل أخطر.
تتسم الفئة الأولى من الجريمة المنظمة باستخدام العنف. تعمل عصابات المدينة والشبكات الإجرامية ــ بما فى ذلك المسئولين الفاسدين داخل أجهزة الشرطة ــ بالتوازى مع المافيا الإيطالية. وتقوم هذه العصابات فى كيب تاون بجنوب إفريقيا ــ أشهر المدن التى ينتشر بها هذا النوع من الجريمة ــ بالقتل والابتزاز والتجارة غير المشروعة فضلا عن علاقتها بمسئولين داخل الدولة.
تبدو الظاهرة مختلفة قليلا فى نيجيريا. فالشبكات الإجرامية معقدة نسبيا، وذات امتداد عالمى أكبر، ولكنها تتحكم فى نطاق جغرافى أقل محليا. هذه الخصائص تشبه التعريف الدارج للجريمة المنظمة. فالمجموعات الإجرامية النيجيرية، على سبيل المثال، لها نفوذ كبير فى إيطاليا، ويعتبر هذا إنجازا فى حد ذاته على صعيد الجريمة المنظمة هناك.
أما الفئة الثانية من الجريمة المنظمة فى إفريقيا فتعد أكثر تعقيدا. فى ظاهر الأمر، تتشابه الشبكات الإجرامية فى أجزاء أخرى من القارة ــ بشكل أقل ــ مع التعريف التقليدى لجماعات الجريمة المنظمة. ولكنها تعمل كشبكات تتصل بالجماعات داخل وخارج القارة، مع التركيز على نقل المنتجات أو الموارد غير المشروعة.
فعلى سبيل المثال، تنتشر تجارة المخدرات على السواحل الشرقية والغربية لإفريقيا من خلال شبكات واسعة من رجال الأعمال المجرمين. فالعديد من المصالح متداخلة فى الاقتصاد القانونى (المشروع). كما يوجد تقاطع قوى مع «الحماة السياسيين political protectors» ــ الذين يتواجدون فى الشبكات الإجرامية أو يدفعون من أجل ضمان استمرار العمليات غير المشروعة.
ففى السنوات الأخيرة، ازداد حجم الهيروين الذى يتم شحنه من أفغانستان على طول شبكة من الطرق البحرية فى شرق وجنوب إفريقيا بشكل كبير، حيث يتم توجيه معظم هذا الهيروين إلى الأسواق الغربية، فضلا عن بيعه محليا. لقد تطورت سوق إجرامية إقليمية متكاملة، وتشكلت بسبب التطورات السياسية فى المنطقة. الجدير بالذكر أن هناك نخبا سياسية متورطة فى التجارة غير المشروعة مع الشبكات الإجرامية فى شرق وجنوب إفريقيا. فعلى سبيل المثال، مشاركة مسئولين حكوميين رفيعى المستوى فى غينيا ــ بيساو فى تجارة الكوكايين مما أدى إلى وصفها بدولة المخدرات، حتى تقدر قيمة تجارة الكوكايين بـ 3.4 مليار دولار فى السنة.
***
أما الفئة الثالثة، فتشهد تقاطعا قويا بين المنظمات السياسية ــ الميليشيات أو الجماعات المسلحة ــ وعمليات التجارة غير المشروعة أو التهريب. وتعتبر ليبيا والساحل والقرن الإفريقى خير مثال على هذه الفئة. لقد دفعت الصراعات العنيفة، وانتشار الإرهاب، والأنظمة القمعية التى طال أمدها، وتفشى الفقر المزمن وعدم المساواة، فى عدد غير مسبوق من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، والذين يعملون مع جماعات الجريمة المنظمة.
وأخيرا، الفئة الرابعة من الجريمة المنظمة فى إفريقيا والتى تتمثل فى الجريمة السيبرانية أو الإلكترونية. على الرغم من إيجابيات التطور السريع للتكنولوجيا إلا أنه أدى إلى ظهور تحديات عديدة منها تعرض المستخدمين لأنشطة غير مشروعة عبر الإنترنت.
قبل عام 2000، كان هناك نحو 4.5 مليون مستخدم للإنترنت. فى إفريقيا ومنذ ذلك الحين، تم تحرير أسواق الاتصالات السلكية واللاسلكية وأصبحت تكنولوجيات الاتصالات المتنقلة متاحة بشكل كبير. اليوم، هناك ما يقرب من 400 مليون مستخدم للإنترنت فى القارة.
وفقا لتقرير عام 2016 الصادر عن المنتدى العالمى للخبرة الإلكترونية، يُقدر أن صناعة التجارة الإلكترونية فى إفريقيا ستصل إلى 75 مليار دولار بحلول عام 2025 لكن فى الوقت الذى تعمل فيه التقنيات المتنقلة على تحويل المجتمعات الإفريقية من خلال توفير شكل رئيسى من أشكال الاتصال، فقد تحولت أيضا إفريقيا إلى مصدر وهدف للأنشطة غير المشروعة عبر الإنترنت. ووفقا لأحد التقارير فى عام 2012، ارتفع عدد الهجمات الإلكترونية المستهدفة فى إفريقيا بنسبة 42٪ عن الأعوام السابقة.
فى غرب إفريقيا، على سبيل المثال، ظهرت مجموعتان متميزتان من مجرمى الإنترنت، وهما «Yahoo Boys«و « NextــLevel Cybercriminals ». وهما يتميزان ببنيتهما ونوع الجرائم التى يرتكبانها. فى حين أن « Yahoo Boys» تعمل فى الغالب على عمليات خداع تقليدية مسبقة الرسوم، فإن NextــLevel Cybercriminals ينخرطون فى هجمات أكثر تعقيدا ضد الشركات وينطوى على عمليات خداع ضريبية، لها علاقات فى إفريقيا وخارج القارة.
تعتبر الجريمة السيبرانية ظاهرة عالمية، حيث تزعم بعض التقارير أنها تتفوق على تجارة المخدرات كمصدر للإيرادات غير المشروعة. وينتشر أثرها بصفة خاصة فى إفريقيا، نظرا لعدم وجود سياسات أمن إلكترونى مترابطة وعدم كفاية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات.
***
ويستطرد الكاتب حديثه قائلا بعد تحديد هذه الفئات الأربع، سيصبح من الأسهل تحديد المكان المتضرر بشكل أكبر من الجريمة المنظمة. إن قياس الضرر أو تقييمه غالبا ما يتم تحديده بالتأثيرات الخارجية (لا سيما التأثير فى أماكن أخرى على مستوى العالم) وليس داخليا (الوفيات أو المعاناة المحلية، أو تدهور البيئة). فمن الضرورى الجمع بين العوامل الداخلية والخارجية. قد تكون تجارة وتهريب المخدرات لها تداعيات خارج القارة الإفريقية، لكنها تسبب ضررا محليا كبيرا.
يوصى الكاتب بضرورة النظر إلى الدرجة التى ترتبط بها الجريمة المنظمة بالفاسدين على المستويين العالمى والمحلى على حد سواء باعتبارها السمة المميزة للضرر. ويعتبر التداخل بين الجهات الفاعلة التجارية المشروعة ظاهريا والمنظمات الإجرامية المنظمة من أكثر المخاوف خطورة.
إذا تم النظر إلى كل من النماذج الأربعة من خلال عدسة طويلة المدى، فمن المرجح أن تستمر الفئة الأولى فى التطور إلى شكل مختلف للجريمة المنظمة «الكلاسيكية». وتمتلك الفئة الثانية القدرة على التطور إلى شكل مختلف عن النوع الأول ــ وإن كان ذلك ببنية أكثر مرونة وأقل سيطرة إقليمية.
الفئة الثالثة مرتبطة بشكل مباشر بالدول الضعيفة ومناطق الصراع فى أجزاء مختلفة من إفريقيا. فهذا النوع من الجريمة محدود ويعتبر تحديا مستمرا، لا سيما عندما تقدم الجماعات الإجرامية أشكالا بديلة للحكم.
أما الفئة الأخيرة ــ الجرائم السيبرانية ــ فمن المرجح أن تنمو بناء على عدة عوامل: الاتصال بشبكة الإنترنت، وعدم وجود خيارات أخرى قابلة للتوظيف للأشخاص الذين يتمتعون بمهارات الإنترنت المتزايدة، ودرجة التنظيم والرقى التى تتطور حول الاقتصاد الإجرامى.
***
ويختتم الكاتب حديثه قائلا إن مستقبل الجريمة المنظمة فى إفريقيا سيكون مزيجا من النماذج الأربعة. إن كيفية تطورها أو التصدى لها ستعتمد على السلع الإجرامية (مثل تغيير أنماط تجارة المخدرات على الصعيد العالمى) والأسواق الخارجية. والذى سيحدث الفرق الحقيقى هو الكيفية التى يمكن للدول الشرعية، التى تحترم سيادة القانون، من خلالها أن تتصدى للجريمة المنظمة.
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الاصلى: