هذا مقال نشرته قبل ثلاثة أسابيع، وحين راقبت سلوك الإخوان وتابعيهم خلال هذه الفترة، وجدته صالحا للنشر كما هو، وقد كانت أسئلة المقال كلها موجهة إلى الداعين لدمج الإخوان فى المشهد السياسى، فاقرأه وحاول أن تجيب عن أسئلته.
على الزملاء الذين يعتصر الألم قلوبهم حزنا على ابتعاد الإخوان عن المشهد السياسى، أن يروا الصورة على وجهها الصحيح، وهى كالتالى: جماعة لا تعترف بكل ما جرى عقب 30 يونيو، وترى فى الثورة الشعبية الأكبر فى تاريخ مصر انقلابا على شرعية رئيسها المنتخب، وتسعى جهدها كى تعيد الأمور إلى ما كانت عليه، فيعود مرسى إلى القصر،والعريان ورفاقه إلى الشورى، والإرشاد إلى دوره الأثير فى رسم السياسات وإصدار التوجيهات، وهم فى سبيل هذا الهدف الأسمى، لا يمانعون فى الاستعانة بقوى خارجية لحصار مصر اقتصاديا وتجويع شعبها، واستدعاء جيوش اجنبية لمحاربة جيش البلاد الوطنى الذى أحل كبيرهم دماء جنوده باعتبارهم كفارا لا يستحقون الحياة.
كيف يمكن دمج جماعة فى نظام هى لا تعترف به أصلا وترفض كل مكوناته، كيف يمكن إقناعها بخارطة طريق تنكرها جملة وتفصيلا، كيف يمكن حثها على المشاركة فى انتخابات برلمانية ورئاسية تجرى خلال شهور، بينما هى مازالت تصر على عودة رئيسها المعزول ودستوره وبرلمانه؟
والأهم: هل نحن مستعدون بعد عام كامل من حكم مرسى وجماعته، تكشفت خلاله مخططاتهم وانكشفت ألاعيبهم وولاءاتهم أن نستعيدهم على الصورة ذاتها، أن يعودوا إلى الحياة السياسية بذات الكيفية، جماعة سرية انقلابية غامضة، يدين اعضاؤها بالولاء لتنظيم دولى أخطبوطى، لا يمثل فيه الوطن سوى خطوة فى طريق حلم همايونى أجوف عن «أستاذية العالم»، ضمن مخطط استعمارى أشمل للسيطرة على المنطقة؟
هل نحن مستعدون أن نختار نوابا ليشرعوا لنا قوانين تحقق أحلامنا فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فإذا بهم ينصرفون إلى تحقيق غايات الجماعة فى التمكين والاستحواذ، هل نحن مستعدون ــ مرة أخرى ــ أن نختار من بين هؤلاء وزيرا أو رئيس حكومة أو رئيس جمهورية، يأتمر بأوامر مكتب الارشاد وينفذ بلا مجادلة أوامر المرشد؟
هل نحن مستعدون أن نقبل بين قوانا السياسية تنظيما لم يتورع عن رفع السلاح فى وجه المصريين وترويعهم، لأنهم رفضوا ممارساته وسأموا أكاذيبه ومراوغاته، هل نحن على استعداد للقبول بحزب يمارس السياسة بأدوات الحرب، فيهدد رئيسه بحرق البلد إذا لم يفز بالرئاسة، ويشعل أعضاؤه الحرائق فى مؤسسات الدولة لأن الناس تلفظهم؟
هل نحن مستعدون ــ من جديد ــ للقبول بجماعة تكفر معارضيها وتخرجهم من الملة عند الخلاف فى السياسة، بزعم أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة؟
كما ترى، فإن الإجابة عن هذه الأسئلة تبدأ وتنتهى عند جماعة الإخوان ذاتها، أى أن عليها هى أن تبدأ بالاعتذار للشعب المصرى عما اقترفته فى حقه طوال الفترة الماضية، وأن تعلن قبولها بخارطة الطريق التى ارتضاها الشعب، وأن تعترف بإرادة الملايين التى عبرت عن ذاتها بصورة أذهلت العالم يومى 30 يونيو و26 يوليو، ودون أن تجرى الجماعة هذه المراجعات، فإن أى كلام عن دمج الجماعة فى مستقبل البلاد السياسى يبقى حرثا فى البحر؟
أغلب الظن أن الجماعة لن تفعل، فهى مازالت تنكر كل ما جرى.. هى الآن فى حالة كمون اضطرارى بفعل الضربات الأمنية التى تلقتها، فى انتظار أن تنعدل الموازين لصالحها فتعاود تنفيذ مخططها، ولذا لابد من ان يتواصل المسار الأمنى لملاحقة المطلوبين من القيادات المحرضة على العنف وإثارة الاضطرابات، أما المسار السياسى، فمفتاحه بيد الجماعة لا غيرها.