شاءت الأقدار للسفير المصرى فى واشنطن سامح شكرى أن يمثل دولة ينهار نظامها السياسى على مدى أكثر من أسبوعين فى عاصمة أهم دول العالم للدولة والنظام المصرى. ونتيجة لسيطرة أخبار الثورة المصرية على عناوين كبريات الصحف الأمريكية وسيطرتها على شاشات التليفزيونات الأمريكية من خلال عرض العديد من أهم البرامج الإخبارية التليفزيونية تطورات الحدث المصرى على مدى الساعة، تطلب الأمر أن يظهر السفير كثيرا وبصورة شبه يومية، وفى بعض الأيام عدة مرات، على شاشات كبريات البرامج الحوارية فى الولايات المتحدة.
ويرى الكثير من الخبراء أن واشنطن لعبت ثالث الأدوار أهمية أثناء الثورة المصرية بعد دور ميدان التحرير ودور قصر الرئاسة المصرى، لذا كان من الأهمية التعبير عن الموقف المصرى فى واشنطن بصورة مشرفة وواضحة.
لم يقم السفير منذ بداية الثورة بتبنى موقف ينحاز ويعبر عن رؤية النظام المصرى السابق للأحداث. ورغم أن أهم دور للسفارات العاملة فى الخارج فى الظروف العادية هو تمثيل الدولة الأم، حيث يحدث تنسيق بين السفارات، خاصة الهامة منها مثل تلك الموجودة فى واشنطن، والمقر الرئيس لوزارة الخارجية. فإن هذا التنسيق لم يكن على مستوى عالٍ خلال أزمة الثورة المصرية، وعبرت الآراء العلنية التى صرح بها وذكرها السفير شكرى أثناء ظهوره على أهم البرامج التليفزيونية الأمريكية عن انفصال شبه كامل مع الآراء، التى كان يطلقها كبار مسئولى وزارة الخارجية المصرية لوسائل الإعلام العالمية من القاهرة. ولم تختر السفارة المصرية بواشنطن أن تقف على الجانب الخاطئ من التاريخ بمهاجمتها شباب الثورة واتهامهم بالعمالة الأجنبية، بل عبرت مواقف وإجابات السفير عن تفهم لمطالب الثورة وعن قلقه كمواطن مصرى على مصير بلاده واستقرارها.
ويحسب للسفير شكرى، وهو أحد أبناء وزارة الخارجية، إذ عمل بها طيلة حياته المهنية باستثناء عمله فى مؤسسة الرئاسة كسكرتير الرئيس للمعلومات لمدة أربع سنوات، أنه لم يقم بمهاجمة المتظاهرين فى بداية الثورة أو نعتهم بأنهم عملاء لدول أجنبية وأن لديهم أجندات ضارة بالأمن القومى المصرى أو أنهم يتقاضون مقابل مشاركتهم بالدولار أو اليورو. واختار السفير أن يذكر للتليفزيونات الأمريكية أن ما يحدث هو «تعبير عما وصلت إليه عملية الإصلاح السياسى فى مصر»، وإنها دليل على أن «الشباب المصرى لدية تطلعات حقيقية فى المجال الاقتصادى والاجتماعى والسياسى». واختار السفير لغة واضحة فى إجاباته التى جاءت على قدر المستطاع مختصرة ولا تدين القائمين بالثورة وتحاشى استخدام عبارات أو جمل عنترية مثل تلك التى تطلق فى القاهرة.
وأكد السفير المصرى لمحطة سى إن إن فى رابع أيام الثورة المصرية إنه مثل كل المصريين قلق على وطنه، وأنه على اتصال دائم مع شباب ممن يشاركون فى المظاهرات، التى كانت تجرى ضد رئيسه السابق، وأن أبنه الأصغر انضم لفرق الحماية الشعبية فى أحد الأحياء بالقاهرة، فى ظل الغياب المفاجئ لقوات الشرطة.
كذلك انتقد السفير المصرى الهجوم على الإعلاميين ووسائل الإعلام المصرية والأجنبية خلال الأسبوع الأول من الثورة، وأكد لكريستيان أمانبور، الصحفية بمحطة إيه بى سى، أن ما حدث هو شىء غير مقبول على الإطلاق. ثم ذكر فى منتصف أحداث الثورة المصرية أن هناك اتجاها الآن فى مصر لتصحيح أخطاء الماضى.
وبعد تنحى الرئيس المصرى السابق، طمأن شكرى قطاعات مهمة من الرأى العام الأمريكى عندما أكد أن مصر الدولة من خلال النظام الجديد ستقوم بحماية مصالحها الإستراتيجية وإنها ستحترم اتفاقيات السلام مع إسرائيل حيث إنها تمثل مصلحة استراتيجية لمصر لمدة 30 عاما، وان قيادة الجيش المصرى ستكون حليفا للولايات المتحدة.
وأكد شكرى فى مقابلة بثت يوم الأحد فى برنامج فريد زكريا على شاشة السى إن إن أن أحداث مصر غير مسبوقة فى التاريخ، وأنها مصدر فخر لكل المصريين، فهى حدثت بصورة حضارية وبدون عنف من مواطنين يتطلعون لتغيير بلادهم.
ومن الطبيعى والمفهوم ألا تقوم سفاراتنا فى الخارج بصنع السياسة الخارجية فى هذه الدولة أو تلك، وهذا ليس مطلوبا منها، إلا أن تبنى مواقف النظام الحاكم بصورة آلية دون النظر للظروف المحيطة ليس دائما هو الخيار الأفضل.
اختيار السفير شكرى أن يعبر فى هذه اللحظات الفارقة عن أنه يمثل الدولة المصرية ولا يمثل النظام الحاكم كان إستراتيجية ناجحة، وظهر هذا جليا فى استمرار ظهوره المتكرر فى الإعلام الأمريكى. البديل كان أن يتبنى السفير موقف كبار مسئولى وزارة الخارجية المصرية ويتعرض للسخرية، التى تعرضوا لها فى القاهرة وهنا فى واشنطن وأن يتم تجاهل دعوته للظهور المتكرر فى أهم وسائل الإعلام العالمية.