فى الأول من شهر مايو الجارى قررت شركة جوجل أن تعترف بدولة فلسطين واستخدمت كلمة «فلسطين» بدلا من كلمة «الأراضى الفلسطينية»، وأصبح هناك صفحة خاصة بدولة فلسطين عنوانها www.google.ps مثلها فى ذلك مثل بقية دول العالم المستقلة. وتعد هذه الخطوة شديدة الأهمية ويظهر ذلك من صور رد الفعل الإسرائيلى المعارض وردود الفعل الفلسطينية المرحبة بهذه الخطوة التاريخية. ولا تقل هذه الخطوة أهمية عما سبقها من خطوات للاستقلال بدولة فلسطينية تنال اعتراف العالم بها. عندما أعلن الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات فى عام 1988 اعتمادا على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 الخاص بانتهاء الانتداب البريطانى وتقسيمه إلى دولتين، ونال هذا الإعلان اعتراف 94 دولة أو ما نسبته 84.7% من دول العالم. وبعدما منحت الجمعية العامة فلسطين مقعد «دولة مراقبة» حصلت فلسطين على اعتراف 131 دولة من إجمالى الدول الأعضاء بالأمم المتحدة البلاغ 193 دولة أو ما نسبته 67.9% من دول العالم. واليوم، ومع اعتراف شركة ومحرك وتطبيقات جوجل بدولة فلسطينية، تعترف بدولة فلسطين كل دول العالم رغبوا فى ذلك أو رفضوا.
●●●
خرج رد الفعل الإسرائيلى شديد الغضب على مبادرة جوجل. واختار الإسرائيليون فقط انتقاد جوجل، فهم يعرفون جيدا أنهم لا يقدرن على ما هو أكثر من ذلك عندما يتعلق الأمر بتوازن قوى لا يصب فى صالحها. اليوم لا يستطيع أحد، سواء كانت دولة أو جماعة أو حزب أن يعاد أو يفرض عقوبات أو يقاطع جوجل. فقط قامت إسرائيل بمحاولة يائسة لتشكيل لوبى عالمى للضغط على شركة جوجل ومطالبتها بتغيير قرارها. وبعث زيف إليكن نائب وزير الخارجية الإسرائيلى والعضو البارز بحزب الليكود الحاكم برسالة غاضبة لجوجل مطالبا إياها بالتراجع عن قرارها، وقال لراديو إسرائيل «عندما تأتى شركة مثل جوجل بهذه الخطوة فهى تدفع بالسلام بعيدا وتخلق بين القادة الفلسطينيين وهما بأن هذا الأسلوب يمكن أن يوصل لنتيجة.. بدون مفاوضات مباشرة معنا لن يحدث شىء أبدا». كذلك استغرب يجال بالمور، المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية خطوة جوجل قائلا «إن هذه الخطوة تثير عدة تساؤلات حول أسباب التدخل المفاجئ لشركة انترنت فى هذه الأمور السياسية الجدلية».
إلا أن ناثان تايلر، المتحدث باسم شركة جوجل، ذكر فى رده على الانتقادات الإسرائيلية أن قرار تغيير اسم «الأراضى الفلسطينية» إلى «فلسطين» جاء بعد استشارة عدة جهات دولية ونحن نتبع مسار منظمات دولية هامة.
●●●
يعتقد أريك شميت رئيس شركة جوجل أن الانترنت والتكنولوجيا يمكنها خلق واقع جديد فيما يتعلق بالعديد من القضايا العالمية. فمثلا حق تقرير المصير لن يحدث فى العالم مستقبلا قبل أن يشعر هؤلاء الساعون له أن هناك مصيرا واحدا حقيقيا يجمعهم فى الانترنت وهم وما يزيد من شعورهم بهويتهم المميزة أو بحقهم المسلوب. وتعد خطوة جوجل إضافة هامة فى هذا المجال، فجانب أنها تجعل أطفال وشباب فلسطين يشعرون بوجود «كيان رقمى» يجمعهم فيما يعد خطوة هامة لترجمة هذا الكيان لدولة متكاملة على الأرض، تمنح تطبيقات جوجل خاصة ما يتعلق منها بالخرائط والطرق Google Map فرصة لفضح ونزع الشرعية عن المستوطنات الإسرائيلية الموجودة داخل حدود دولة فلسطين.
●●●
منافسة جوجل فى التطبيقات التكنولوجية يبدو أنها أصبحت شيئا من الماضى. فمحرك البحث جوجل يستحوذ على 84% من عمليات البحث فى الانترنت خلال العام الماضى، وتلاه بفارق كبير محرك ياهوو بنسبة بلغت 8%، بينما حصل محرك بينج الخاص بشركة مايكروسوفت على 5% فقط. لم يكتف جوجل بمحرك البحث فقط، فقد تفوق نظام أندرويد على نظام آبل سواء فى الهواتف الذكية أو فى تطبيقاتها واستخداماتها المختلفة. خلال عام 2010 بلغت نسبة مشغل جوجل من التليفونات 26% مقابل 40% لآبل، واليوم تغيرت النسبة لتصبح 53% لجوجل مقابل 36% لآبل. ويعمل لدى شركة جوجل 54 ألف شخص، وتبلغ قيمتها ما يزيد عن 93 مليار دولار، وتمتلك عدة شركات أخرى عملاقة تساهم فى تشكيل عالم اليوم، ومنها شركة يوتيوب، وموتورولا، وزاجيت وعشرات أخرى. لذا فاعتراف جوجل بفلسطين كدولة مستقلة يجب أن يعد نصرا وخطوة للأمام فى طريق إنشاء الدولة.
●●●
فى الصراعات الكبرى تتحدد معايير النصر والهزيمة بمحاولات الفوز فى كل القضايا حتى ما يبدو منها صغيرا وغير ذى أهمية. فى الصراعات الكبرى كل التفاصيل الجانبية والصغيرة تعد كبيرة وشديدة الأهمية سواء كان ذلك فى العالم الافتراضى أو العالم الرقمى أو حتى العالم الذهنى.
دأبت إسرائيل على تحقيق النصر فى مسائل تبدو غير هامة فى مجالات الصحافة والسينما والأدب والتليفزيون والإعلام العالمى. فهل توفر جوجل فرصة لتيقظ العرب لأهمية هذه المجالات، فربما تستطيع الأجيال الجديدة تحدث لغة العصر أفضل من آبائهم وتحقيق بعض الانتصارات فى مجالات طالما رأى أباؤهم عدم وجود حاجة لخوض المعارك على ساحاتها أو اختاروا الأسوأ وهو اليأس من تحقيق أى انتصار فيها.