نصبت الشرطة البريطانية كمينا محكما فى لندن لأشهر لص هواتف متنقلة فى تاريخها، الذى يسرق ما معدله 24 هاتفا فى أقل من ساعة! وظل هاربا لبضع سنوات. يأتى ذلك فى وقت تزايدت فيه جرائم من هذا القبيل عقب جائحة كورونا، حيث ذكرت تقارير إعلامية أن هاتفا واحدا يسرق فى كل ست دقائق! واللص الواحد يجنى من سرقاته ما بين 12 إلى 15 ألف جنيه إسترلينى شهريا، نظير بيع الهواتف لشركات خارجية تفكك أجزاءها لإعادة بيعها. السارق الذى تحدى أن يصطاده أحد وقع بالفخ كما وقع غيره من اللصوص فى هذه العاصمة التى لها سجل حافل فى استتباب الأمن فيها ولو بعد حين.
كثير من المشكلات التى تعترض صناع القرار حول العالم تتفاوت خطورة تداعياتها، وكذلك أساليب التعامل معها. صحيح أن السرعة قد تكون مطلبا فى حد ذاتها، لكن الأهم هو اجتثاث مكمن المشكلة، وهذا ما يتطلب نفسا طويلاً فى التعامل مع مشكلاتنا.
فى سنغافورة الستينيات، عانت البلاد من تفشى مظاهر فساد أعاقت التنمية، ثم تمكن قائدها اللامع، لى كوان يو، من تنفيذ إصلاحات حازمة لمحاربة الفساد. شملت تأسيس مكتب التحقيقات فى الممارسات الفاسدة (CPIB)، الذى يعد من أقدم المكاتب من نوعه فى العالم، وقد أعطى سلطات واسعة للتحقيق فى حوادث الفساد، فضلاً عن فرض عقوبات صارمة على الفاسدين.
تقاضى موظفو القطاع العام رواتب مرتفعة للحفاظ على نزاهتهم، ثم أصبحت سنغافورة من أقل البلدان فسادا فى العالم، وحققت مستويات عالية فى مؤشرات التنمية الاقتصادية. هناك من يقول إن الفساد ظاهرة طبيعية، ونقول إن ذلك لا يعنى عدم مواجهتها بحلول منهجية مدروسة.
واجه الألمان كذلك ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير بعد حقبة الركود الاقتصادى ثم تعاملوا معها وفق سياسة النفس الطويل، حيث اعتمدت البلاد سلسلة من الإصلاحات فى سوق العمل عرفت باسم إصلاحات هارتز، تضمنت تقديم دعم مالى مؤقت للأشخاص العاطلين عن العمل، وتحسين التدريب المهنى، وتخفيف القيود على عقود العمل المؤقتة، ثم نجحت فى خفض معدلات البطالة على نحو ملحوظ وتعافى معها أداء الاقتصاد الألمانى.
حتى فنلندا، موطن الهاتف المتنقل (نوكيا)، قبل أن يشار إليها بالبنان واجهت فى حقبة الستينيات نظاما تعليميا لم يكن أداؤه بالمستوى المطلوب مقارنة بمنافساتها، فعكفت الحكومة الفنلندية على إعداد إصلاحات جذرية فى نظام التعليم ركزت فيه على الجودة بدلاً من الكمية، وتقليل حجم الفصول الدراسية، وتحسين وسائل تأهيل المعلمين، وتقديم التعليم المجانى للجميع، ثم أصبحت فنلندا واحدة من الدول الرائدة فى العالم فى جودة التعليم، حيث تربع طلابها على رأس قوائم اختبارات PISA الدولية، بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD.
فى أواخر القرن العشرين، عانت كولومبيا من ارتفاع مستويات الجريمة المنظمة بسبب عصابات المخدرات، ثم بدأت الحكومة الكولومبية بزيادة التمويل للقوات الأمنية، وتحسين التكنولوجيا المستخدمة فى مكافحة المخدرات، فضلاً عن التعاون الدولى. وقد نجحت فى تقليص قوة عصابات المخدرات الكبيرة.
ما زالت التحديات قائمة، لكنها خطت خطوات نحو مستقبل أفضل. التعامل مع المشكلات الكبرى يتطلب نفسا طويلاً للنجاح فى حلها، ولا تنفع معها سياسة العصا السحرية، وهذا ما يستدعى تضافر جهود شتى القطاعات للوصول إلى حلول منهجية وشاملة.
محمد النغيمش
صحيفة البيان الإماراتية