نادى الزمالك.. عن قوة مصر الناعمة أتحدث - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الأربعاء 17 سبتمبر 2025 10:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

نادى الزمالك.. عن قوة مصر الناعمة أتحدث

نشر فى : الأربعاء 17 سبتمبر 2025 - 7:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 سبتمبر 2025 - 7:55 م

بداية، يتعين القول إننى أكتب هذه الكلمات لكونى واحدًا من مشجعى ومحبى نادى الزمالك والمنتمين إليه منذ أكثر من نصف قرن من الزمان فيما يمكن وصفه بعلاقة تاريخية ممتدة زمنيًا، كما يلزم التنويه إلى أننى أكتب هذه الكلمات بغض النظر عن الموضوع المثار الآن حول أرض نادى الزمالك فى منطقة حدائق أكتوبر بالقاهرة؛ حيث إن هدفى الرئيسى من هذا المقال وما أركز فيه هنا هو أهمية نادى الزمالك كمصدر من مصادر قوة مصر الناعمة بمعناها الواسع والشامل، وسوف أتناول هذا الموضوع من منظور شامل ومن زاوية رؤية عريضة تسعى للربط بين الماضى والحاضر والمستقبل، وبين الرياضة والثقافة والتاريخ والذاكرة الجمعية والوطن، وبين الداخل والخارج، وكذلك بين ما هو مادى وملموس وما هو غير محسوس أو له طابع معنوى فى الأساس، ولكنه هام ومؤثر.

 


ومفهوم القوة الناعمة هو مفهوم مهم صار يفسر أوجه القوة الدولة بخلاف قوتها المادية من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية، ولقد اكتسبت القوة الناعمة أبعادًا جديدة وهامة بحيث صارت لا تقل بأى حال من الأحوال فى الأهمية والدلالة عن مصادر القوة الأخرى، كما أن هناك إجماعًا بين مختلف الخبراء والمتخصصين فى دراسة القوة الناعمة بأنواعها المختلفة على أن مصر تمتلك الكثير من مصادر هذه القوة وهو الأمر الذى ساهم ولا يزال يساهم فى خدمة المصالح الوطنية المصرية. كذلك صارت القوة الناعمة أحد أهم صور التفاعل والتقارب فيما بين المجتمعات والشعوب المختلفة، كما باتت تشكل مكونًا أساسيًا من المكونات الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة.
ونادى الزمالك، الذى مر على تأسيسه ما يقترب الآن من 115 عامًا، هو بالتأكيد واحد من أهرامات مصر ورموزها الرياضية والاجتماعية على الأصعدة الوطنية والعربية والإفريقية والعالمية، وهو، مثله فى ذلك مثل النادى الأهلى المصرى، مصدر مهم من مصادر قوة مصر الناعمة فى المجالين الرياضى والاجتماعى تفتخر به مصر ويخدم مصالحها الوطنية وغاياتها الاستراتيجية ويروج لعطائها الرياضى والاجتماعى والثقافى والحضارى عربيًا وإفريقيًا ومتوسطيًا وفى بلدان الجنوب وفى العالم بأسره، ليس فقط اليوم، بل وبشكل متواصل منذ عقود بعيدة، نظرًا لأن تعريف الثقافة والحضارة صار منذ عدة عقود يشتمل على مكونات مثل الرياضة وتنشئة النشء والشباب من الجنسين وتربيتهم بدنيًا وذهنيًا واجتماعيًا بشكل متوازن.
فعلى مدار أزمنة طويلة كان نادى الزمالك ولا يزال أحد مصادر قوة مصر الناعمة، ليس فقط نظرًا لوجود مئات الآلاف من المصريين ضمن أعضائه، وليس فقط لوجود عشرات الملايين من أنصاره ومحبيه ومشجعيه داخل مصر، ولكن أيضًا لوجود عشرات الملايين الآخرين من أنصاره ومشجعيه ومحبيه والمنتمين له على امتداد الوطن والعربى والقارة الإفريقية، بل إننى أذهب إلى حد القول إن له مشجعين ومعجبين بأدائه الرياضى على مر العصور من خارج الدائرتين العربية والإفريقية؛ حيث إن ظروف تنقلى بسبب ارتباطات العمل بين قارات ثلاثة خارج القارة السمراء أتاحت لى فرصة التعرف على ذلك على الطبيعة وبشكل مباشر من جانب بعض أبناء جنسيات آسيوية وأوروبية وأمريكية بمجرد أن تعرفت عليهم وذكرت لهم أننى مصرى ذكر بعضهم بكل الحب والتقدير نادى الزمالك باعتباره أحد الرموز والأيقونات الرياضية التى يحبونها ويعجبون بها فى مصر.
وعلى مدى السنين والعقود تخرج في «مدرسة» نادى الزمالك الرياضية نجوم من أبناء مصر فى مختلف الألعاب الرياضية الجماعية والفردية لعبوا باسم مصر فى دورات أوليمبية وكئوس عالم وبطولات إقليمية وقارية فى مختلف أنواع الرياضة وجلبوا لمصر بطولات وميداليات وألقابا وشرفوا بلدهم بالتأكيد فى مختلف المحافل الرياضية الدولية، بل إن الأمر تخطى ذلك حيث انتمى إلى نادى الزمالك فى مراحل تاريخية مختلفة لاعبون عرب وأفارقة وأجانب من مختلف الجنسيات وساهموا بعد تركهم اللعب فى نادى الزمالك فى حدوث نهضة وطفرة رياضية فى بلدانهم الأصلية بعد عودتهم إليها، كما ساهموا بدرجة كبيرة فى ارتفاع شعبية نادى الزمالك بين صفوف شعوبهم، على النحو الذى أشرنا له من قبل، وكان منهم من كان انتماؤه لنادى الزمالك هو بمثابة نقطة الانطلاق له إلى العالمية حيث لعب بعد ذلك فى فرق وأندية لها الريادة على الصعيد الدولى فى ألعاب رياضية مختلفة ومتنوعة.
ويتعين الأخذ فى الاعتبار كل ما تقدم عند التعامل مع ما يتعلق بنادى الزمالك، خاصة فى ضوء ما يمثله نادى الزمالك من مصدر مهم ورصيد رئيسى ضمن إطار أوسع وأشمل نطلق عليه تعبير «قوة مصر الناعمة»، والنادى بالتأكيد فى حاجة ليس فقط إلى فرع إضافى واحد آخر، بل إلى فروع أكثر تتواكب مع شعبيته الجارفة داخل مصر وخارجها، كما هو الحال مع النادى الأهلى المصرى، وتتيح فى الوقت ذاته للعائلات والأسر المصرية والنشء والشباب المصريين من الجنسين فرصًا إضافية لتطوير القدرات الرياضية وللتنشئة الاجتماعية الصحية والمتوازنة فى آنٍ واحد ولاستيعاب طاقات النشء والشباب فيما يفيدهم ويفيد مجتمعهم ووطنهم ويغرس روح التميز والتفوق والبطولة داخل نفوسهم وللترويح عنهم وعن أسرهم فى سياق اجتماعى يوجد فرصًا لتحقيق التعارف والتقارب بين الناس ويوفر أجواءً تعزز من الروح الرياضية ومن الترابط الاجتماعى فى نفس الوقت.
ومن هذا المنطلق، يتعين أن يتم إدراك أن نادى الزمالك هو قلعة رياضية وطنية ومؤسسة اجتماعية فعالة ومؤثرة ومثرية فى المجتمع المصرى، فهو ليس شركة استثمارية أو شركة تطوير عقارى، مع التقدير والاحترام الكاملين لكل من الفئتين المحترمتين ولدورهما البناء فى خدمة الاقتصاد الوطنى، ولكن النشاط الاقتصادى بالنسبة لنادى الزمالك هو ليس مجال نشاطه الرئيسى، بل هو يمثل أداة ووسيلة لتعزيز قدراته المادية ورئة تضخ الحياة فى أوصال نشاطه الرياضى والاجتماعى الكبير، فى زمن تحولت فيه الرياضة إلى صناعة تحتاج إلى استثمارات ضخمة ومداخيل كبيرة بغرض ضمان المقدرة على تمويل النشاط الرياضى بل والعمل على تطويره وتوسيع نطاقه بشكل مستمر ومتواصل وبلا انقطاع، وبما يتسق مع ما يطرأ بمعدلات متزايدة من تحولات وتغييرات فى «صناعة الرياضة» على الصعيدين العالمى والإقليمى، وبما ينعكس بشكل إيجابى على المجتمع ككل.
وفى الختام، أثق أن نادى الزمالك سيتمكن من أن يوفر الموارد والطاقات والقدرات المطلوبة، وذلك بما يساعد هذا الصرح الوطنى الكبير على مواصلة لعب دوره الحيوى على الساحتين الرياضية والاجتماعية على المستوى الوطنى بما يصب لصالح التطوير الإنسانى والرياضى والمجتمعى من منظور شامل ومتكامل، وأيضًا بما يضمن تواصل إشعاع عطائه الرياضى والاجتماعى على الأصعدة الإقليمية والدولية فى إطار منظومة القوة الناعمة المصرية ذات الجذور العميقة وذات الدور المؤثر والفعال، على النحو الذى يسهم فى مواصلة تعزيز مكانة مصر ودورها عربيًا وإفريقيًا ومتوسطيًا وبين بلدان الجنوب وعلى الصعيد العالمى الإنسانى بأسره.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات