كنت أتمنى أن يستمع كل المصريين والعرب أجمعين لما قالته الفنانة اللبنانية الكبيرة ماجدة الرومى بحق مصر والمصريين، من فوق خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا فى ختام الدورة ٢٧ لمهرجان الموسيقى العربية ليلة الإثنين الماضى. وأنا داخل المسرح شاهدت بعض الحاضرين يبكون تأثرا من قوة وصدق مشاعر ماجدة الرومى.
نسمع كلمات كثيرة من سياسيين وفنانين وشخصيات عامة من دول مختلفة بحق مصر والمصريين. بعضها يكون دبلوماسيا، وبعضها يكون صادقا، لكن قليلا من تلك الكلمات يمس القلوب والوجدان.
وقوع ماجدة الرومى فى غرام مصر والمصريين، ليس من فراغ. والدها حليم الرومى درس الموسيقى فى معهد الموسيقى العربية بالقاهرة «فؤاد الأول سابقا»، ثم تزوج من بورسعيد، ولذلك تقول ماجدة إنها نصف مصرية ونصف لبنانية.
وقفت الرومى على المسرح وغنت «حى على الفلاح» من كلمات الأخوين رحبانى وألحان محمد عبدالواهاب. وفى هذه اللحظة تفاعل معها الحاضرون بصورة حماسية، انتهت الأغنية وتسلمت درع التكريم لوالدها، وتحدثت بوصلة غزل فى حب مصر، ثم عادت لغناء أشهر أغانيها.
ما قالته الرومى هو الدور الذى نتمناه لبلدنا دائما، مصر الثقافة والفن والأدب والقوة الناعمة.
خاطبت الحاضرين قائلة: «لو فتحتوا قلبى مش هتصدقوا باحبكم ازاى. باحب مصر، لأنها الحضن الدافئ، وشعبها طيب جدا، ومحب للموسيقى وسميع».
هى تعتبر القاهرة مدينة العيد، وعندما يذكر اسمها فهو يكفى لإدخال السرور لقلبها. تحب النيل الرائع، والمراكب عندما تمرق فيه وتغنى طوال الليل.
مصر هى عاصمة التاريخ والحضارة والخلود والمحترف الكبير للفنون الجميلة. وصاحب القامات الكبيرة فى الأدب والشعر والموسيقى والغناء والتمثيل.
تقول: «تربيت على الأصوات المصرية العظيمة من خلال الراديو، خصوصا أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وليلى مراد، أحببت سعاد حسنى ونادية لطفى وشادية وزينات صدقى وإسماعيل يس وعبدالسلام النابلسى، ومارى منيب ويوسف شاهين ويسرا ونجلاء فتحى، وأعشق العظيم سراج منير، وشعرت بوجع فى قلبى حينما مات عبدالوارث عسر، وكأنه أحد أفراد أسرتى، أحب كل الممثلين واعذرونى لو نسيت بعضهم، وتمنيت أن أتزوج شخصا وسيما مثل حسين فهمى».
قالت للمصريين: التفوا حول بلدكم وحافظوا على استقلالها، وساندوا رئيسكم. بلدكم هى خط الدفاع الأول عن الكرامة العربية، وإذا هى بخير فالعرب كلهم بخير. وأحيى الجيش المصرى، جيش العبور، الذى رفع رءوسنا. لازم تلاحظوا أن السياسة الدولية تريد الفوضى فى بلادنا، والدليل هو ما يحدث فى المنطقة، والحل هو أن تحافظوا على وطنكم».
تقول: «كنت صغيرة حينما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية، كنت فى قرية مسيحية ونعيش سويا مع القرى الدرزية والشيعية والسنية المجاورة، والحرب فرقت بيننا وحولتنا إلى أعداء».
قرأت لها حوارا فى المجلة التى أصدرها المهرجان تقول فيه إن مصر فى قلبها وعندما تزورها تشعر بالبهجة والفرح.
الرومى بدأت مسيرتها الفنية من مصر بأغنية «مفترق الطرق» فى فيلم «عودة الابن الضال» عام ١٩٧٥ مع يوسف شاهين. وهو نفس العام الذى اندلعت فيه الحرب الأهلية اللبنانية التى تركت بصمتها على روح وعقل وحياة ماجدة الرومى، وتقول عنها: عشنا حالة قوقعة بالملاجئ، جعلتنى أفهم الألم والحزن عند الآخرين بشكل أفضل، وأكون أقرب إلى الله وإلى الناس.. أنا بنت حرب لبنان، وأعرف تماما ماذا تعنى الحرب، وأدعو الله أن يبعد هذه المأساة عن أى بلد عربى».
الرومى عادت مرة أخرى للمسرح الكبير بدار الأوبرا منذ آخر مرة وقفت عليه عام ٢٠٠٣، وغنت أشهر أغانيها. ليلتها أعادت تذكيرنا بأنها الصوت الذى يعيد للمرء إنسانيته، دون أن يشعر ويجعله أكثر ولها وحبا وسلطنة».
قد يسأل البعض: ولماذا التركيز على ما قالته ماجدة الرومى ليلة ختام المهرجان؟!.
والإجابة هى حتى ندرك قيمة هذا البلد الكبير الذى نعيش فيه، وحتى نتوقف عن الدخول فى معارك تافهة مع بعض التافهين الذين يظنون أن الأموال السهلة، يمكنها أن تشترى تاريخا أو تبنى حضارة ومجدا.
من المهم أن نتذكر ذلك، ونحن نشكو أحيانا من شيوع بعض القيم والظواهر والسلوكيات الضارة والمنحرفة والمنحطة، وحتى نعود مرة أخرى إلى المعدن الأصيل الذى تحدثت عنه بعبقرية شديدة السيدة ماجدة الرومى. لها كل الشكر على كلماتها، والشكر موصول لإيناس عبدالدايم ومجدى صابر وجيهان مرسى.