تتسارع أوراق الرزنامة فى السقوط حتى شارف العام على الانقضاء ونستعد لاستقبال عام جديد.
العام القادم 2022 عام سعيد إن شاء الله على مصر وعلى أهلها يشهد عددا من المناسبات الهامة التى تستعد البلاد لإحيائها بشكل يليق بها ويليق بمكانة مصر.
المناسبة الأولى هى افتتاح المتحف المصرى الكبير الذى أطلقنا عليه اسم GEM وهو اختصار لاسمه بالإنجليزية Great Egyptian Museum. والاسم المختصر للمتحف يعنى الجوهرة أو الحجر الكريم وهو اسم يعبر تعبيرا بليغا عن قيمة هذا الصرح العظيم الذى يعد أكبر متحف للآثار فى العالم ويقدم أحدث ما وصل إليه العلم والثقافة فى عرض الآثار وحمايتها وصيانتها وترميمها وأرشفتها بشكل يليق بحضارة مصر وماضيها وحاضرها ومستقبلها.
المناسبة الثانية هى مرور مائتى عام على نجاح الفرنسى جان فرانسوا شامبليون فى عام 1822 فى فك شفرة الكتابة الهيروغليفية اعتمادا على حجر رشيد الذى اكتشفته حملة نابليون على مصر وغنمته بريطانيا بعد هزيمتها للحملة.
فتح هذا الكشف الباب لمعرفة تاريخ مصر الفرعونية وأماط اللثام عن أسرارها وحول آثار مصر من مجرد تحف معمارية ونحتية إلى تاريخ مقروء وكان أساسا لعلم المصريات الحديث.
والحدث الثالث هو مرور مائة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على يد الأثرى البريطانى هوارد كارتر وكانت المقبرة سليمة لم تتعرض للنهب على يد لصوص المقابر، وانبهر العالم بما وجد فى المقبرة من كنوز وكم هائل من الذهب؛ فى قناع الملك توت عنخ آمون الذهبى الشهير والمقاصير الذهبية وتوابيته الثلاثة الذهبية، وأثار الاكتشاف نوبة من الانبهار بمصر وحضارتها شبيه بل يفوق ما أثاره كتاب وصف مصر الذى أعدته الحملة المصرية على مصر.
يضاف لهذه المناسبات افتتاح طريق الكباش الذى يربط معبد الكرنك بمعبد الأقصر ومتابعة السيد رئيس الجمهورية شخصيا هذا الحدث الحضارى الكبير وتصريحه بأنه جهد لإبراز قوة مصر الناعمة.
•••
فى وسط هذا الزخم الثقافى والحضارى خلال العام القادم أرجو أن نتذكر المناسبة التى هى بالنسبة لى الأهم والأعز بحكم انتمائى ونشأتى، وهو الذكرى المئوية لإنشاء وزارة الخارجية المصرية بعد إعلان 1922 الذى اعترف باستقلال مصر وبحقها فى إنشاء تمثيل دبلوماسى خارجى، وهى المناسبة التى نحتفل بها سنويا فى يوم 15 مارس كعيد للدبلوماسية، ولعلى لا أكون مبالغا أن أكثر ما يميز مصر كدولة من الدول النامية هو حضارتها ودبلوماسيتها التى ولدت شامخة عملاقة وكان لها دور رائد فى محاربة الاستعمار منذ أن وقفت ضد الغزو الإيطالى للحبشة فى سنة 1936، ثم كانت دولة مؤسسة للجامعة العربية ثم لمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى وكانت مصر بدبلوماسيتها رأس الحربة فى حركة التحرر من الاستعمار فى إفريقيا وفى آسيا واستمرت جهودها لإسقاط النظام العنصرى فى جنوب إفريقيا، ثم كانت مصر رائدة فى تأسيس حركة عدم الانحياز. ولا ننسى دور الدبلوماسية المصرية فى إزالة آثار العدوان الغاشم فى عام 67 الذى استجابت له الدول الصديقة والدول المحبة للسلام، فقطعت معظم الدول الإفريقية علاقاتها بإسرائيل ثم دور الدبلوماسية المصرية فى استرداد آخر شبر من الأرض المصرية فى طابا.
ولازال العطاء الدبلوماسى المصرى مميزا فى القضايا الدولية الساخنة مثل منع الانتشار النووى وقضايا البيئة والمناخ.
•••
على مدى المائة عام الماضية ومن خلال رحم الدبلوماسية المصرية ولد العشرات من النجوم الذين أضاءوا سماء الدبلوماسية الدولية وكانوا رموزا عالمية يشار لهم بالبنان أينما حلوا وتحدثوا باسم مصر؛ نذكر منهم السادة عمرو موسى، وعبدالرءوف الريدى، ومحمد شاكر، وعصمت عبدالمجيد، وعلى ماهر المسجل اسمه على قاعدة المسلة المصرية فى ميدان الكونكرود فى باريس، وعوض القونى، ومصطفى الفقى وغيرهم كثر.
ويمكن اعتبار الدبلوماسية المصرية مدرسة ترعى وتصقل أبناءها منذ دخولهم إلى المعهد الدبلوماسى وخلال مشوارهم المهنى علميا وثقافيا ووطنيا ليكونوا من صفوة أبناء الوطن وأكثرهم تألقا فى بلدهم وأينما وجدوا فى العالم.
ولعل المؤسسة الدبلوماسية المصرية من أكثر المؤسسات التى دعمت تمكين المرأة بعدد من السفيرات اللاتى شرفن مصر بتمثيل متميز؛ ومنهن السفيرات الجليلات ميرفت التلاوى، ومشيرة خطاب، وفايزة أبو النجا، ونبيلة مكرم.
أمنيتى ليست أمنية دبلوماسى قديم لكنها أيضا أمنية محاربين قدماء، فأنا وإن لم أتشرف بالخدمة فى صفوف القوات المسلحة ومشاركة جيلى فى حرب الاستنزاف والعبور العظيم إلا أن العديد من زملائى نالوا هذا الشرف. كما قدمت الدبلوماسية المصرية العديد من الشهداء أثناء خدمتهم كان أولهم كمال الدين صلاح فى الصومال، وإيهاب الشريف فى العراق، ونمير أحمدين خليل فى باكستان، وجمال عمر شهيد القصف الأمريكى على هانوى، وشريف فهمى شهيد طائرة مصر للطيران فى بانجكوك، ومحمد إسماعيل الذى اغتالته عصابة مسلحة فى المكسيك، فضلا عن زملاء شهدوا أهوالا أثناء الحروب الأهلية فى سيراليون وليبيريا والسلفادور عندما أطلق المتمردون النار على ابنة السفير ماهر الكاشف وهى جالسة بجانبه فى السيارة، فضلا عن حرب التنقية العرقية فى رواندا وفى أفغانستان والعراق وظلوا ثابتين فى مواقعهم.
•••
هذه هى الدبلوماسية المصرية عامود راسخ وصارية شامخة ترفع راية مصر وتعلى كلمتها، تصون مصالحها وتدافع عن قضاياها. الدبلوماسية المصرية مؤسسة عريقة كريمة مجاهدة فى سبيل بلدها تستحق أن تحاط برعاية أمها الحنون الرءوم مصر وأن تضمها فى كنفها وأحضانها فى يومها وعيدها يوم 15 مارس القادم باحتفال يناسب عطاءها وبتغطية إعلامية تناسب مئوية ميلادها راجيا وآملا أن يشرفها رئيسنا فى هذه المناسبة لنتشرف بوجوده وليزين احتفالنا بمئوية مؤسستنا الوطنية العريقة.
وكلى أمل فى استجابة السيد الرئيس لأمنية دبلوماسى قديم.
عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية