يجمع المتابعون للوضع فى لبنان على أن حزب الله هو الخاسر الأكبر فيما يجرى حيث أدت الاحتجاجات الجماهيرية المتواصلة إلى إعادة النظر فى الصورة التى تم تسويقها للحزب وزعيمه عبر سنوات.
واهتزت كثيرا صورة المقاومة وظهر الحزب كلاعب سياسى يقف على الضفة الأخرى من تطلعات الجماهير بدلا من تبنيها وأسوأ ما فى الموقف الاخير ان جماهير الحزب فى سعيها لإثبات الولاء السياسى لزعيمها تبنت شعارات (فاشية) استهدفت اسماء مهمة فى الثقافة اللبنانية.
وساءنى كثيرا ما يتعرض له مثقف كبير مثل لقمان سليم مؤسس مركز أمم للتوثيق ومن قبل هو احد مؤسسى دار الجديد التى لعبت دورا مهما فى الثقافة العربية طوال سنوات تصل لأكثر من ٣٥ عاما.
يسكن لقمان مع عائلته الكبيرة فى دار محسن سليم بمنطقة الغبيرى وحارة حريك فى قلب الضاحية الجنوبية لكنه يتبنى موقفا سياسيا مغايرا لموقف الحزب منذ سنوات يعبر عنه بالكتابة وفى الفضائيات لكنه لم يعد موقفا مقبولا من جماهير الحزب التى تحاصر البيت بالملصقات التى انطوت على الكثير من عبارات التهديد.
اتهم لقمان من قبل مع اخرين بأنه من «شيعة السفارات» أى الذين يتلقون تمويلا اجنبيا للحديث بلغة مختلفة عن اللغة التى يتحدث بها جمهور حزب الله ومثل هذه الاتهامات تمثل خطرا مباشرا على حياته وتبرر جميع افعال التعصب التى يمكن ان تنتج عنها.
لكن الملصقات الاخيرة أصبحت تمثل خطرا مباشرا عليه وعلى غيره من أصحاب الرأى الذين يتم التنكيل بهم معنويا وتصفيتهم والإساءة إلى صورتهم حيث تحتشد الميادين بالغضب والكل يرغب فى الإعلان عن نفسه.
وفى ظنى ان ما تسعى اليه الرءوس التى تقف وراء هذه الحملة هو بالضبط عكس ما سعى اليه لقمان وفريقه فى دار الجديد ومركز أمم فبينما تسعى جماهير الحزب بطاقتها الفاشية الغاضبة إلى تأكيد التعصب والانتماء إلى فكرة مغلقة يدافع مشروع أمم والجديد عن التنوير والعقلانية ومناهضة التعصب وإقرار التسامح.
تبنت (أمم) عبر مشوارها مشروعا بحثيا خلاقا لتوثيق ذاكرة الحرب وتكوين أرشيف صحفى فى بلد يتهم دائما من مثقفيه انه بلد بلا ذاكرة وتعمل أيادٍ كثيرة للاعتناء بهذه الذاكرة وإيقاظها لكى لا يأخذها الغضب إلى الحرب من جديد.
ودافعت دار الجديد منذ بدايتها عن لبنان المتنوع والمتعدد واستعادت افكار الشيخ عبدالله العلايلى واعادت تقديمه كوجه مستنير من بين رجال الدين الذين كدنا ان ننسى فيهم هذا الوعى التاريخى بفكرة النهضة والى جواره قدمت لأول مرة فى عالمنا العربى أفكار محمد خاتمى إلى جانب استئناف مهمة لبنان مع الحداثة الشعرية والأدبية فعادت عند بدايتها منتصف الثمانينيات بصوت محمود درويش ونصوصه إلى بيروت بعد انقطاعه عنها لسنوات كما اعتنت بنصوص أنسى الحاج وقدمتها فى طبعات نضرة والى جوارها اصوات شعرية شابة من العالم العربى كله حيث كان طموح الدار ورهانها من خلال عمل الناشرة رشا الأمير مع شقيقها (لقمان) يقوم على تأكيد قيمة التنوع والمغايرة والاختلاف.
واعتقد ان الدور الذى لعبته الدار فى هذا المجال هو دور استثنائى ظل رغم التراجعات ولا تزال الدار فى كل ما فعلت دار طليعية بامتياز تعرف مسئوليتها فى انارة وعى القارئ ونشر كل ما هو منحاز للتقدم ومناهض للتعصب ويكفى مثلا ان نراجع فى منشوراتها الاخيرة كتابات رمز ثقافى لبنانى كبير مثل أحمد بيضون أو ما نشرته الدار فى كتاب (فى يمين المولى) لجيرار حداد فهو كتاب ينقذ القراء من معنى الغضب ويحرر أفكارهم مما يريده أعداء لقمان سليم فهو يقول لنا بوضوح «لا غلبة على التعصب، متى ما اشتد عودُه فى مكان ما، وتمكن، إلا بالحرب. أما المتعصبون الأفراد، سواء تعصبوا لدين أو عرق أو قضية، فهيهات أن يخلو العالم منهم. فإنما التعصب مرض، عضال، من الأمراض التى تصيب النفس البشرية ومن حيث إنه كذلك فمداواته، والإقلال منه، ليس بالأمر الميسور». وهذه هى مهمة لقمان ووصاياه التى يناضل من اجلها مع كل مثقف انها مهمة بعنوان وحيد هو (مواجهة التعصب).