حان وقت الوحوش - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الأحد 19 يناير 2025 2:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حان وقت الوحوش

نشر فى : السبت 18 يناير 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : السبت 18 يناير 2025 - 7:30 م

نشرت صحيفة ذا نيويورك تايمز مقالا للكاتب والمحلل السياسى الأمريكى عزرا كلاين، تناول فيه العديد من الأزمات التى يواجهها العالم فى وقت واحد ومدى تأثيراتها علينا، أطلق الكاتب على هذه الأزمات اسم (الوحوش)، ورأى أنها متداخلة بشكل كبير، تنوعت ما بين أزمات سياسية (عودة ترامب، تآكل الديمقراطية) مرورا بالتكنولوجية (صعود الذكاء الاصطناعى، ومخاوف السيطرة عليه) وصولا إلى البيئية (التغير المناخى) والديموغرافية (انخفاض الخصوبة)... نعرض أبرز ما جاء فى المقال كما يلى:
دونالد ترامب يعود، والذكاء الاصطناعى ينضج، والكوكب آخذ فى الاحترار، ومعدل الخصوبة العالمى ينهار. والنظر إلى أى من هذه القضايا بمعزل عن غيرها يعنى تفويت ما تمثله بشكل جماعى؛ الظهور غير المستقر وغير المتوقع لعالم مختلف.
• • •
لنبدأ بالسياسة الأمريكية. ترامب سيؤدى اليمين الدستورية للمرة الثانية، وجدران صد العاصفة فى المؤسسة الأمريكية ليست فى عام 2025 كما كانت فى عام 2017.
الحزب الجمهورى مستكين، وترامب يعرف ذلك. حتى خارج الحزب، لا يواجه ترامب أية مقاومة جماهيرية هذه المرة، لا شىء مثل مسيرة المرأة التى اجتاحت واشنطن فى عام 2017. ثم إن الحزب الديمقراطى محبط ومرهق.
يحيط بترامب الآن تحالف من الأوليجاركيين بقيادة إيلون ماسك. وسبق لأصحاب المليارديرات فى صحيفة واشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز منع التأييد الرئاسى لكامالا هاريس، ومنحت ABC News المملوكة لشركة ديزنى «مؤسسة ومتحف ترامب الرئاسى المستقبلى» 15 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير رفعها ترامب. كما أنهى مارك زوكربيرج خدمة تدقيق الحقائق، ويقال إن أمازون دفعت 40 مليون دولار مقابل فيلم ميلانيا ترامب الوثائقى عن نفسها. هذا يختلف عن عام 2017، عندما تم التعامل مع ترامب على أنه انحراف يجب تحمله أو ورم خبيث يجب رفضه. (الجميع يريد أن يكون صديقى!!!) كتب ترامب على Truth Social بعد تناول العشاء مع مؤسس ومدير شركة أمازون جيف بيزوس.
الديمقراطية لا تموت فى الظلام، بل تتحلل من خلال عقد الصفقات، معاملات عملية بين أولئك الذين لديهم السلطة وأولئك الذين يريدونها أو يخشونها. لقد رأينا هذا الفساد يستهلك الديمقراطيات فى أماكن أخرى، بما فى ذلك المجر بقيادة فيكتور أوربان، والتى يستشهد بها ترامب وحلفاؤه كنموذج. المال ووسائل الإعلام يصنعان السلام مع النظام لأن القيام بخلاف ذلك مكلف للغاية. أما النتائج المتوقعة لولاية ترامب الثانية فهى واسعة، وتمتد من عدم الكفاءة المدمرة إلى التشويش ثم التفرد الاستبدادى. ناهينا عن أن السدود التى ضيقت إمكانيات ولايته الأولى تم اختراقها.
• • •
ثانيا: الذكاء الاصطناعى، أطلق OpenAI لأول مرة سلسلة سريعة من النماذج المسماة GPT4 وGPT-4o، ثم نموذج التفكير o1، ثم، بشكل غريب، جاء o3 - التى نشرت تحسينات لاذعة على مجموعة من الاختبارات.
على سبيل المثال، تم تصميم اختبار ARC-AGI لمقارنة ذكاء البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعى، وثبت أنه من الصعب على أنظمة الذكاء الاصطناعى تقليدها. بحلول منتصف عام 2024، كانت أعلى درجة سجلها أى نموذج AI هى ٥ فى المائة. وبحلول نهاية العام، سجل أقوى شكل من أشكال 03, 88 فى المائة. إنه يحل أسئلة فى الرياضيات، اعتقد كبار علماء الرياضيات أنها تتطلب من البشر سنوات. كما أنه أفضل فى كتابة شفرة الكمبيوتر من جميع المبرمجين البشريين باستثناء الأكثر شهرة. لكن، هل نحن مستعدون لهذه المعلومات الإلكترونية الذكية التى نقوم باستدعائها باهتمام فى حياتنا وبنيتنا التحتية وبياناتنا وصنع القرار وصنع الحرب؟

قد لا نفهم الكثير مما تفعله نماذج الذكاء الاصطناعى هذه، لكننا نعرف ما تحتاجه: الرقائق والبيانات والطاقة. الموجة الأولى من الذكاء الاصطناعى كما يقول، جاك كلارك، المؤسس المشارك لشركة Anthropic ومدير السياسة السابق فى OpenAI، كانت حول الهيمنة الخوارزمية: «هل كان لديك القدرة على الحصول على ما يكفى من الأشخاص الأذكياء لمساعدتك فى تدريب الشبكات العصبية بطرق ذكية؟» ثم جاءت الحاجة إلى هيمنة الحوسبة: «هل كان لديك ما يكفى من أجهزة الكمبيوتر للقيام بمشاريع واسعة النطاق؟» لكن المستقبل، كما يقول، سيتعلق بهيمنة الطاقة: «هل لديك إمكانية الوصول إلى ما يكفى من الكهرباء لتشغيل مراكز البيانات؟».
يقدر تقرير صادر عن مختبر لورانس بيركلى الوطنى أن مراكز البيانات الأمريكية ارتفعت من 1.9 فى المائة من إجمالى الاستهلاك الكهربائى فى عام 2018 إلى 4.4 فى المائة فى عام 2023 وستستهلك 6.7 فى المائة إلى 12 فى المائة فى عام 2028. وتعتزم Microsoft وحدها إنفاق 80 مليار دولار على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعى هذا العام. هذه الزيادة الضخمة فى الطاقة ستكون مطلوبة ليس فقط من قبل الولايات المتحدة ولكن من قبل كل بلد يسعى إلى نشر قدرات جادة للذكاء الاصطناعى.
• • •
ثالثا: احترار الكوكب، كل شهر من يونيو 2023 إلى سبتمبر 2024، شهد تحطيم الأرقام القياسية المناخية. نحن نرى، فى حرائق الغابات التى تحول مساحات شاسعة من لوس أنجلوس إلى رماد، الأنماط الدقيقة من الظواهر الجوية المتطرفة التى تم تحذيرنا منها، ونحن نرى أيضًا مدى عدم استعدادنا للتعامل معها.
فى عام 2023، وصلت انبعاثات الغازات الدفينة العالمية إلى مستوى قياسى جديد. وللحفاظ على الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية - وهو الهدف من الاتفاقات، ولكنه خيالى عند مطابقته مع الواقع منذ الاتفاقات - يجب أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 7.5 فى المائة عامًا بعد عام حتى عام 2035. وللحفاظ على الاحترار إلى درجتين مئويتين، فإن التخفيض السنوى هو 4 فى المائة.
لا يعنى هذا التخفيض الحرمان. إذ كتبت إنجر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: إنه لا يزال من الممكن على الأقل تقنيًا السير على مسار 1.5 درجة مئوية.
• • •
رابعا: انخفاض الخصوبة، وهى المشكلة الرئيسية فى العصر، والأزمة البطيئة الحركة التى تزعزع استقرار المجتمعات حتى الآن. كتب إيلون ماسك: «انهيار السكان بسبب انخفاض معدلات المواليد هو خطر أكبر بكثير على الحضارة من ظاهرة الاحتباس الحرارى». وكتب نائب الرئيس، فانس، أن «معدلات المواليد المنخفضة فى بلدنا جعلت العديد من النخب معتلة اجتماعيا».
من الصعب على المجتمعات أن تظل مستقرة مع تقلصها؛ فقد ساهمت الأزمة الديموغرافية فى كوريا الجنوبية فى اضطراباتها السياسية الأخيرة ،فعدد أقل من البالغين الذين يدعمون المزيد من المتقاعدين هو وصفة للغضب وعدم الاستقرار. لذا سيكون من الجيد أن تركز الدول على النمو المتاح: الهجرة والتقدم التكنولوجى والمزيد من الثقافات الأنثوية.
لكن فى الممارسة العملية، لا نرى أيًا من هذه الأشياء. إذ ترتفع المشاعر المعادية للأشخاص المهاجرين كما حدث فى أوروبا والولايات المتحدة، وتزداد العلاقات بين الجنسين سوءا كما حدث فى كوريا الجنوبية. ويبدو أن انخفاض معدلات المواليد فى روسيا لعب دورًا ما فى قرار الرئيس فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا. وبينما تشهد البلدان فى جميع أنحاء العالم انخفاضًا فى عدد سكانها - وبعضهم بسرعة - فإننا ندخل حقبة ديموغرافية جديدة، وبلاشك ستكون حقبة غير مستقرة.
• • •
اختتم عزرا كلاين مقاله مشيرا إلى أن هذه التحديات تبشر بعصر جديد ومخيف، يدفعنا إلى العودة لترجمة شهيرة لسطر من أقوال الفيلسوف الإيطالى أنطونيو جرامشى: «العالم القديم يموت، والعالم الجديد يكافح من أجل أن يولد، إنه وقت الوحوش».

تحرير وتلخيص: ياسمين عبداللطيف
النص الأصلي
https://bitly.cx/VHWS

التعليقات