نشرت جريدة يوريشيا ريفيو مقالا للكاتب كالينجا سنيفراتن، مراسل لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ ويقوم بتدريس الاتصالات الدولية فى سنغافورة، عن إنشاء بنك الاستثمار فى البنية التحتية الآسيوية. ويوضح الكاتب كيف أنه منذ الانهيار الاقتصادى عام 2008، يطالب الأوروبيون والأمريكيون الصينيين بزيادة مساهمتهم فى مؤسسات بريتون وودز. ومن ناحية أخرى، يطالب الصينيون، بإصلاح نظام هيمنة الإدارة وحقوق التصويت فى هذه المؤسسات التى تفضل الأمريكيين والأوروبيين. ولم تلق مطالبات أى من الجانبين أذنا صاغية لدى الجانب الآخر.
والآن، قررت الصين إنشاء مؤسسات تابعة لها، بدلا من استخدام الاحتياطيات المالية الضخمة لدعم نظام اقتصادى عالمى لا يسمح لهم بإبداء رأيهم فى تدابير إدارته. ويبدو أن العديد من الدول الناشئة تتفق مع الصين.
ففى يوليو من هذا العام، أعلنت بلدان مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) تشكيل بنك تنمية بريكس بصندوق احتياطى قدره مائة مليار دولار بهدف تعزيز شبكة الأمان المالى العالمى. وسوف تعلن الصين فى اجتماع منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادئ (ابيك) فى بكين، إطلاق بنك الاستثمار فى البنية التحتية الآسيوية (AIIB) باستثمار صينى أولى قيمته 50 مليار دولار.
ويشير الكاتب إلى أن الصينيين يعملون على هذه الفكرة منذ أكثر من عام وحشدوا العديد من الحكومات الإقليمية للانضمام إليها. وعلى الرغم من الضغوط الامريكية الثقيلة، وقعت 20 دولة آسيوية وخليجية أخرى على مذكرة التفاهم 24 أكتوبر فى بكين لإنشاء البنك، الذى سيبدأ عمله بنهاية 2015.
وعلى الرغم من أن الهند، ربما تكون قد استسلمت للضغوط الأمريكية قبل عام، إلا أنها احتضنت بحماس البنك الجديد تحت قيادة نارندرا مودى، وألمحت إلى مساهمة كبيرة فى رأسماله. وانضم حلفاء أقوياء للولايات المتحدة ــ سنغافورة والفلبين وقطر والكويت وخضعت كل من كوريا الجنوبية وأستراليا فقط للضغط الأمريكى، فلم توقعا الاتفاق. فى حين يبدو أن الدعوة لم توجه لليابان. وبعد ما يزيد قليلا على أسبوع من تولى الرئيس الاندونيسى الجديد جوكو ويدودو منصبه، نقض قرار سلفه، وفى الخامس من نوفمبر قال لوزير الخارجية الصينى «وانج يى» أن اندونيسيا ستوقع مذكرة التفاهم أيضا. والآن، يقول رئيس الوزراء الاسترالى تونى أبوت إن بلاده أيضا حريصة على الانضمام إلى البنك الإقليمى الجديد.
ويبلغ عدد الأعضاء المؤسسين لبنك AIIB 21 عضوا؛ هى بنجلاديش وبروناى، كمبوديا، الصين، الهند، كازاخستان، الكويت، لاوس، ماليزيا، منغوليا، ميانمار، نيبال، عمان، باكستان، الفلبين، قطر، سنغافورة، سريلانكا، تايلاند وأوزبكستان وفيتنام. وسوف تنضم اندونيسيا أيضا لهذه القائمة.
ويهدف البنك إلى توفير أموال تطوير البنية التحتية لدول المنطقة الآسيوية التى كانت فى وقت سابق تخضع لبنك التنمية الآسيوى الذى تهيمن عليه اليابان وأستراليا والولايات المتحدة.
وتشير التقديرات إلى أن احتياجات تطوير البنية التحتية فى المنطقة الآسيوية تصل إلى ثمانية تريلونت دولار فى 2020، وتحتاج اندونيسيا وحدها إلى 230 مليار دولار أمريكى. ولم يكن من المتوقع أن تستطيع المؤسسات القائمة توفير هذا ما لم تكن الصين مستعدة لاستثمار احتياطياتها الضخمة.
ضد إنشاء النظام الإقليمى والعالمى
ويشير الكاتب إلى تعليق نشرته صحيفة جاكرتا بوست، عن رأى سيمون تاى، رئيس معهد سنغافورة للشئون الدولية، أن بنك AIIB المقترح، يعمل ضد النظام الإقليمى والعالمى القائم، الذى يسيطر فيه الأمريكيون على البنك الدولى بينما يرأس اليابانيون تقليديا بنك التنمية الآسيوية.
ويضيف سيمون أن الزمن قد تغير، «وسوف يتذكر البعض، كيف اقنعت الولايات المتحدة خلال الأزمة الآسيوية فى 1997-1998 اليابان وغيرها بعدم تأييد دعوات إنشاء صندوق النقد الآسيوى. ومع ذلك، فإن الواقع اليوم بالنظر إلى الاحتياجات الحقيقية للبنية التحتية، لم يعد مجرد الاعتراض كافيا».
وفى صحيفة الأمة الباكستانية، وصف الدكتور أحمد راشد مالك، كبير الباحثين فى معهد الدراسات الاستراتيجية فى إسلام أباد البنك المقترح بأنه «الحلم الآسيوى يتحقق». ويرى فى هذا تقدما كبيرا فى إنهاء هيمنة المؤسسات المالية الغربية فى آسيا، والتى ناضل العديد من الزعماء الآسيويين ضدها لأكثر من نصف قرن.
وأوضح أن «الصين تريد بناء ممرات اقتصادية جديدة فى آسيا مثل حزام «طريق الحرير» فى آسيا الوسطى والصين، والممر الاقتصادى بين باكستان والصين، والممر بين الصين والهند وبنجلاديش وميانمار؛ وهى ممرات الطاقة والتجارة التى تستفيد منها هذه الدول بشكل متبادل وأضاف: «ستقوم الصين بدور قيادى فى بناء هذه الممرات لرفع البنية التحتية فى آسيا، المهملة حتى الآن منذ عدة قرون».
ويتفق الدكتور ساراث أمونوجاما وزير التعاون النقدى الدولى السريلانكى أيضا مع أن هذا البنك سيكون له تأثير إيجابى على تطوير البنية التحتية فى المنطقة. وقال لصحيفة ديلى نيوز فى كولومبو «وسيمكن سريلانكا للحصول على قروض بفائدة ممتازة لمواصلة تعزيز وتوسيع وبناء البنية التحتية».
وبينما رحب الكثير من المحللين الإعلاميين والاقتصاديين فى المنطقة بالبنك الجديد، فإن معظم وسائل الإعلام الغربية حذرت احتمال الافتقار إلى الحكم الرشيد ومكافحة الفساد وإجراءات حقوق الإنسان فى سياسات الإقراض فى البنك. وذكرت إن بنك التنمية الأسيوية والبنك الدولى لديهما معايير صارمة فى هذا المجال، متجاهلة أن بنك التنمية الآسيوية على وجه الخصوص انتقدته منظمات المجتمع المدنى وحتى المسئولين الحكوميين لعدة سنوات بسبب عدم الحساسية تجاه محنة الفقراء كما هو الحال فى تمويل برامج خصخصة المياه، أو تجاه حقوق الفقراء فى حيازة الأراضى أو حتى من أجل المحسوبية فى اختيار الاستشاريين.
وفى اجتماع محافظى بنك التنمية الآسيوى فى اسطنبول فى عام 2005، اتهمت مجموعة من منظمات المجتمع المدنى البنك بتشجيع سياسات التنمية التى تستغل الفقراء وتدعم القطاع الخاص.
غياب المحاسبة
وقال بيان المنظمات: «اتسمت عمليات بنك التنمية الآسيوى فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالافتقار المروع للمساءلة العامة وسوء الإدارة والفساد. ومما يثير القلق بشكل خاص، دعم بنك التنمية الآسيوى الضخم للوقود الأحفورى، وخاصة محطات توليد الطاقة بالفحم، وهو ما ساهم بشكل كبير فى التأثيرات المناخية القاسية فى آسيا، مثل موجات الجفاف الشديدة والعواصف».
منذ ذلك الحين، يزعم بنك التنمية الآسيوى إنه يطبق نظاما قويا لمكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة. وقال بنك التنمية إن استمرار حملته لنشر الوعى حول الاحتيال فى المساعدات وإعداد التقارير، كان ناجحا فى تشجيع الجمهور على تقديم الشكاوى. وفى عام 2012، بلغ مؤشر الاحتيال فى المساعدات السنوية لبنك التنمية الآسيوى ذروته من حيث شكاوى الفساد.
فسجل المؤشر 240 شكوى و114 تحقيقا جديدا فى الممارسات غير المشروعة، مما أدى إلى حرمان 42 من الشركات و38 من الأفراد. وهناك جزء كبير من الشكاوى تتعلق بالتزوير فى المؤهلات والخبرة والقدرات التقنية التى تدونها الشركات الاستشارية والمقاولين والأفراد فى طلبات الحصول على فرصة للتعامل مع بنك التنمية الآسيوى.
وسوف تمثل الوقاية من الفساد تحديا كبيرا لبنك AIIB، خاصة مع صناعة بناء البنية التحتية التى تشتعل فيها الممارسات الفاسدة فى مختلف أنحاء المنطقة الآسيوية. وستكون وسائل الإعلام الغربية جاهزة فى أى وقت لتقتات أى تلميحات عن الفساد داخل البنك لتشويه سمعتها.
وفى افتتاحية الجارديان كما وضح كالينجا، قدمت الصحيفة بعض النصائح المفيدة لنظيراتها من وسائل الإعلام الغربية عند الحكم على أحدث التطورات فى آسيا.
ولاحظت الصحيفة «إنه من المبالغة الحديث عن وتيرة الإصلاح فى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، حيث لا يوجد شيء من هذا تقريبا من هذه المؤسسات التى يمكن تسميتها «مؤسسات واشنطن»... وهذا هو السبب فى أن البلدان التى لم يكن لها أى وضع اقتصادى تقريبا عبر ثلاثة أرباع قرن، وصارت الآن عملاقة، مثل الصين، بدأت تغييرها من الخارج».
ومن ثم، أشارت إلى أن إطلاق AIIB الذى وقعت عليه 21 دولة إقليمية كان نتاج هذا الإحباط. «إنه سيتيح للصين النفوذ فى تمويل إقليمى، لم تكن تتيحه لها عضوية بنك التمويل الآسيوى، على الرغم من سخائها فى تقديم التمويلات».
وقالت «إن الصين لن تنسحب من مؤسسات واشنطن، فهى تكملها»، وأضافت: «خلافا لبعض الجوانب الأخرى من سياسة الصين، يعتبر هذا التطور فى سياق الصعود السلمى، الذى أعلنه قادة الصين. فهذه حالة احتواء، وليست مواجهة».