أجندة ضائعة في جنينة دارفور - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أجندة ضائعة في جنينة دارفور

نشر فى : الإثنين 19 يونيو 2023 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 19 يونيو 2023 - 7:15 م

ذات صباح من أيام شهر أبريل عام 2007، حطت طائرة عسكرية من طراز «انتينوف 30» بمطار الفاشر عاصمة شمال دارفور وعلى متنها ثلة من المراسلين الصحفيين، كنت واحدا منهم، وقد جاءوا من دبى فى رحلة أشبه بتقصى الحقائق عن الأوضاع الملتهبة التى كان إقليم دارفور يمر بها على خلفية حرب استعرت نيرانها بفعل الاعتداءات التى ارتكبتها ميليشيات «الجنجويد» الموالية لنظام عمر البشير، نواة قوة الدعم السريع الحالية، على القرى الخاضعة للحركات المسلحة المتمردة على الحكومة المركزية.
يومها وعقب جولة استغرقت ساعات فى معسكرات نزوح آلاف الفارين من قراهم النائية، اعتلينا متن عدد من السيارات المصفحة رباعية الدفع، محاطين بعربات تأمين ذات تسليح ثقيل، قبل أن تنطلق بنا القافلة فى اتجاه الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور التى يتحدث العالم عنها هذه الأيام باعتبارها أكثر المناطق خطورة، خاصة بعد اغتيال حاكم الولاية خميس عبدالله أبكر بطريقة وحشية الخميس الماضى إثر حديثه على الهواء مباشرة لإحدى الفضائيات عن «فظائع» ترتكب فى الجنينة بعيدا عن عيون الإعلام.
وكما هو الوضع اليوم، كانت الجنينة فى أبريل 2007، الأكثر توترا، وظهر على رجال الإدارة المحلية بمن فيهم الوالى القلق، وبدت المخاوف على سلامتنا فى عيونهم واضحة، واتسمت ردودهم على أسئلة المراسلين الصحفيين بالعصبية، قبل أن ينهوا اللقاء على عجل لتعود بنا القافلة مرة أخرى إلى الفاشر ومنها إلى نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.. فى طريق العودة وبسبب الارتباك الشديد اكتشفت اختفاء مفكرتى (الأجندة) التى كنت أدون فيها ملاحظاتى طوال الرحلة.. وقتها انتابنى شعور، بأن ضياع تلك الأجندة كان شيئا مدبرا، وبفعل فاعل، خاصة أن المكان كان يعج وقتها بعناصر تنتمى إلى العديد من الجهات والأجهزة المدنى منها والأمنى سواء بسواء!!
تذكرت ما حدث معى عام 2007 وأنا أتابع هذه الأيام الأخبار الشحيحة القادمة من عاصمة غرب دارفور، التى لا تقول ما أشبه الليلة بالبارحة فقط، بل تكشف عن وضع أكثر مأساوية. ووفقا لمنظمات دولية، فقد فر نحو 150 ألف شخص عبر الحدود إلى تشاد، بينما تحدثت منظمة «أطباء بلا حدود» عن فرار حوالى 6 آلاف شخص من الجنينة وحدها خلال ثلاثة أيام، وأن «ما لا يقل عن 622 جريحا أُدخلوا مستشفى مدينة أدرى التشادية الحدودية مع السودان خلال الأسبوع الحالى».
المخاوف من تفاقم الوضع دفعت رئيس بعثة الأمم المتحدة فى السودان، فولكر بيرتس، إلى التحذير من أن أعمال العنف التى يشهدها إقليم دارفور قد ترقى إلى «جرائم ضد الإنسانية» وسط تقارير عن عمليات قتل واغتصاب للنساء، فيما تحدث فولكر عما أسماه «نمط ناشئ من الهجمات واسعة النطاق التى تستهدف المدنيين على أساس هوياتهم العرقية»، ملمحا إلى تورط عناصر قوات الدعم السريع فى بعض تلك الهجمات.
فولكر ليس وحده الذى عبر عن مخاوفه، فقد حذر المسئول عن الشئون الإنسانية فى الأمم المتحدة، مارتن جريفيث، من أن إقليم «دارفور يتجه سريعا نحو كارثة إنسانية، لا يمكن للعالم أن يسمح بحصولها مرة جديدة» فى إشارة لما شهده الإقليم فى بداية الألفية الثالثة من حرب خلفت نحو 300 ألف قتيل وأجبرت أكثر من 2.5 مليون شخص على النزوح، وفق الأمم المتحدة.
وضمن الصراع المحتدم حاليا أشارت أحدث بيانات منظمة الهجرة الدولية إلى أن المعارك بين الجيش وعناصر «الدعم السريع» أدت إلى نزوح أكثر من 2.2 مليون شخص، لجأ 528 ألفا منهم إلى دول الجوار، والأعداد طبعا فى تزايد.
المأساة السودانية تتفاقم يوما بعد يوم، وخاصة فى إقليم دارفور، وهو بمساحة دولة تقترب من حجم فرنسا، ومع استمرار القتال، وفشل الهدنات المتتالية فى التمهيد لاتفاق يمكن أن يجلب سلاما «يراوغ» حتى الآن، وفى ظل أجندات محلية وإقليمية ودولية متضاربة الأهداف والنوايا، تبقى أجندة الشعب السودانى ذاته، للأسف، ضائعة، كما ضاعت أجندتى ذات يوم فى دارفور.

التعليقات