قبل ساعات من زيارة أوباما للقاهرة فى يونيو قبل الماضى، سأل مراسل جريدة بريطانية سيدة من بين السرايات عما تريده من الرئيس الأمريكى، فقالت إنها تحاول منذ ثلاثة شهور استخراج بطاقة رقم قومى دون جدوى، وتتمنى حين يصل أن يستخرجوها لها.
آخرون تمنوا أن يحل لهم مشكلة طوابير العيش، وأن يرخّص الأسعار ويرفع الأجور، وأن يبنى بيوتا لمحدودى الدخل وسكان العشوائيات، وأن يشغّل العاطلين ويزوّج العوانس، ولا بأس بعدها إن أزال إسرائيل من الوجود وأعاد الفلسطينيين إلى ديارهم.
علّق المصريون آمالا كبيرة على الزيارة التى لم تستغرق سوى عدة ساعات، أمضى الرئيس الجديد معظمها فى زيارات لبعض المواقع الأثرية، وبالغوا فيما يمكن أن يمنحه رئيس أكبر دولة فى العالم لهم، واتساقا مع أشواقهم للبطل المنقذ، غاص البعض فى أصوله الأفريقية، واستدعى آخرون سيرة جده المسلم، وذهب فريق ثالث إلى مدى أبعد باحثا عن صلات أوثق بالرئيس الشاب، فإذا به عربى الهوى، واسمه الحقيقى عبدالله أوباما.
عاد أوباما إلى بلاده، وبقينا نحن على حالنا، وانتبهنا بعد قليل، إلى أنه رئيس أمريكى اختاره الشعب الأمريكى ليرعى مصالح أمريكا.
بمنطق من هذا النوع تعاملنا مع زيارة رئيس الوزراء التركى أردوغان، مع فارق مهم طبعا، أن الرجل من ديننا، وأن وشائج ثقافية وتاريخية وجغرافية تقرّبنا إليه، فضلا عن صفاته الحميدة وتواضعه الجم، وتجربته الفريدة فى الحكم، وأدائه الذى جعل من بلاده نموذجا يتطلع إليه أمثالنا.
لكن الشاهد فى الحالتين أن المصريين يبحثون عن منقذ، عن «رجل دولة» بالمعنى الحقيقى، وهو نموذج افتقدوه بالتأكيد فى الرئيس السابق، الذى كان أداؤه وظيفيا بليدا، خاليا من أى إبداع أو رؤية، حتى إنه فى ظروف محاكمته التاريخية، قنع بالدور ذاته، فبدا كما لو كان أمين مخازن اختلس عهدته، أوفرّط فيها لحساب آخرين.
مشكلتنا الآن، أن لدينا مماليك وليس لدينا محمد على، فقد عمد نظام مبارك على مدى ثلاثة ثمة فارق مهم آخر، هو أن الطيب أردوغان يزورنا ونحن خارجون للتو من قبضة المماليك الجدد، الذين مازال بقاياهم يعبثون فى كل موقع، من الشمال إلى الجنوب، آملين فى استعادة أمجاد دولتهم ومفاتيح خزائنهم، وهو مشهد يذكرك بالمنغّصات التى سببوها لمحمد على، الذى احتاج ست سنوات منذ بداية حكمه، كى يقضى عليهم نهائيا فى مذبحة القلعة 1811.
عقود إلى تجريف السياسة والأخلاق، وكل القيم الباعثة على النهضة والتقدم، وتم تخريب النخبة بالإغواء والإقصاء، فبدت على صورتها التى تراها اليوم، لا تكاد تتفق على شىء، بعضها يعمل لحسابه أو للآخرين، وأكثرها زائغ الخطى، زائف الوعى.
أردوغان بالتأكيد رجل دولة من طراز رفيع، لكنه رئيس حكومة تركيا، الذى اختاره الشعب التركى ليرعى مصالحه، وزياراته لدول الربيع العربى يموّلها دافع الضرائب التركى، ولابد أن تتساقط ثمارها عليه، فى اسطنبول وأنقرة، وليس فى أى مكان آخر، ودفاعه عن القضية الفلسطينية هو دفاع عن الدور التركى فى إقليم المتوسط، وعلاقات بلاده مع أوروبا وإسرائيل، هى جزء من رؤيته لهذا الدور، بصرف النظر عن السجال المحتدم حول علمانية الرجل أو إسلاميته.
هل تلمح محمد على أو أردوغان مصرى فى الأفق؟