أحدثكم عن فريق النادى الأهلى، الذى انتزع بطولة كأس أفريقيا للمرة السابعة بعد فوز مستحق على الترجى التونسى فى عقر داره، فرسم بسمة خجولة على وجه مصر الحزين، عقب حادث قطار منفلوط الذى راح ضحيته أكثر من 50 تلميذا.
ليس هذا كلاما فى الكورة، فستجد أفضل منه لدى أستاذنا حسن المستكاوى وزملائى فى القسم الرياضى، لكننا هنا بصدد قدرة على تحقيق إنجاز رياضى كبير، وسط ركامات من الفشل والإحباط، وظروف غير مواتية لتحقيق أى قدر من النجاح.
فكما تعلم، الدورى المحلى متوقف بأوامر الألتراس وقياداتهم المدعومة من قيادات إخوانية بارزة، وبحسب ما نشرته «المصرى اليوم» أمس، فقد نجح قيادى إخوانى فى استقطاب قيادات بارزة فى الألتراس، وأبرم معهم اتفاقا يقضى بمساعدتهم فى عدم عودة النشاط الرياضى، مقابل تأييد الألتراس للرئيس ودعم الإخوان فى انتخابات البرلمان المقبلة، ولعل هذا ما يفسر مغازلة العريان والشاطر للألتراس ودفاعهما عنهم، حتى فى الأفعال التى تبدو مخالفة للقانون ومتحدية لإرادة الدولة.
وبرغم توقف النشاط الرياضى، ومزايدات الكذّابين والمنافقين لابسى قميص دم الشهداء وحتمية القصاص، أدى الأهلى مباراة رائعة، وكان بوسعه أن يفوز بعدد أكبر من الأهداف لو أحسن استغلال الفرص التى أتيحت له، وعاد بالكأس التى يمكن اعتبارها الأغلى بين كؤوس النادى العديدة، وكما وعد اللاعبون، أهدوها إلى أرواح ضحايا مجزرة بورسعيد.
أعود إلى سؤال البداية : هل يمكن فى مناخ ضاغط ومحبط وقاتم أن تحقق قطاعات بعينها قدرا من النجاح، هل يمكن لدولة فاشلة فى عمومها، أن تحقق إنجازا فى اتجاه ما؟، طبعا ممكن، وبوسعك أن ترى وسط إخفاقات عديدة فى معظم المجالات الحيوية، نجاحا لبعض المصانع التى ينافس منتجها بقوة فى السوق العالمية، ووسط مئات الألوف من المدرسين والأطباء والموظفين والصنايعية الذين يمارسون عملهم بمنطق السبوبة والتهليب والفهلوة، ستجد مئات يحرصون على اتقان عملهم وإرضاء ضمائرهم، يؤمنون أنهم يؤدون رسالة، ويستجيبون ــ حتى دون وعى منهم ــ لأوامر ربهم فى عمارة الكون، لكن المؤسف أن هؤلاء يبقون استثناءات قليلة وسط طوفان من الفشل المخزى، كان أحد مظاهره كارثة قطار الصعيد التى ستتكرر حتما حتى لو أقالوا رئيس الحكومة، لأننا نعيش الحالة ذاتها من الاتكالية والسبهللة، وصدقنى، لا نهضة ولا تقدم، إلا إذا زاد عدد المجيدين، وتقلص إلى حد العدم عدد الفهلوية.
أعطى فريق الأهلى درسا لمن يعى فى كيفية الوفاء الإيجابى لدماء الشهداء، وعدهم بالكأس وعاد بها، لكن آخرين من المزايدين والمنتفعين وفقهاء الجهامة مازالوا يحفرون فى مسارات أخرى، وبدلا من إيقاظ البلد من غفوته واستنهاض همّة الناس ونفض الإهمال والعشوائية والتراخى عن حياتنا، يصرون على إلهائنا بقضايا تبعثرنا ولا تجمعنا، يصرون على إعادة اكتشافنا، وكأن بلدنا ذى السبعة آلاف سنة حضارة، ولد لحظة بعثوا من سراديبهم.