‎ما يهم الناس - سامح فوزي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:46 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

‎ما يهم الناس

نشر فى : الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 7:55 م

‎‎هناك قضايا تهم الرأى العام تظهر أولا فى المساجلات على وسائل التواصل الاجتماعى، ثم تهتم بها وسائل الإعلام الأخرى سواء كانت فضائيات أو صحف، من بين هذه القضايا فيديو طبيبة أمراض النساء والولادة وسام شعيب، التى أطلقت عدة اتهامات «لايف» حول زنا المحارم، وزواج القاصرات، والتشكيك فى الأنساب… إلخ، ورغم أن ما ذكرته يمثل جرائم يعرفها المجتمع، لكنها ليست على نفس الدرجة من الاتساع كما تحدثت، فضلا عن أنها استخدمت فى كلامها ألفاظًا غير لائقة، وأطلقت تعميمات تخرج من نطاق الانحراف الاجتماعى إلى الأحكام السياسية المطلقة. شاهد الفيديو القصير الذى تسبب فى حبسها ملايين البشر، وخرج حديثها إلى الفضائيات، فأضيف إلى المشاهدين ملايين آخرين.

‎قضية أخرى شغلت اهتمام الناس، وأشعلت السوشيال ميديا الإعلامية التى ضبط لديها عقار GHB وهو من المواد المخدرة، الذى يستخدم فى السابق كمخدر أثناء العمليات الجراحية، إلا أنه بات يُستخدم فى الأنشطة غير القانونية نظرًا لقدرته على تثبيط الجهاز العصبى المركزى، ما يجعله شائعًا فى قضايا الاستغلال والجرائم المنظمة، واغتصاب الفتيات، ونظرا لأنه عديم اللون والرائحة، يسهل تهريبه وإخفائه فى مشروبات ووسائط أخرى. وانصب الحديث فى جانبه الأكبر على الإعلامية التى قيل إن لها «معلومات جنائية»، وتساءل المتفاعلون على وسائل التواصل الاجتماعى كيف لها أن تصبح إعلامية، وتظهر على الشاشات رغم كل ذلك؟

‎قضية ثالثة سابقة على هاتين القضيتين، وانشغل بها الناس، وهى قضية «صبحى كابر»، صاحب مطعم شهير، ومن كثرة ما قيل حولها بات المرء فى حيرة بشأن أبعاد هذه القضية التى شغلت الرأى العام عن قضايا أخرى مهمة، فى مقدمتها انتصارات السادس من أكتوبر، ومرور عام على حرب غزة، وغيرها.

‎ويصبح السؤال: لماذا يهتم الناس فى أحاديث التواصل الاجتماعى بهذه القضايا؟

‎السبب المباشر أنها قضايا مثيرة، ولا تتطلب معرفة متخصصة، ويستطيع كل شخص أن يدلى بدلوه فيها، ويقول ما يشاء بلا حساب، فضلا عن أنها تناسب حالة الفراغ الذهنى الذى يعانى منه قطاعات واسعة من المجتمع بعد انصرافها عن الشأن العام أو الشأن الثقافى، وانشغالها بالإثارة بشتى أنواعها، ولا بأس، أن نجد صانعة محتوى رقمى، مثل رضوى جلال، لها متابعين بالملايين من نساء العالم العربى، الذين يبحثون عن إجابات عن أسئلتهم الجنسية، والعلاقات الحميمة، والملابس المثيرة… إلخ، وبلغ الأمر أن هذه السيدة أقامت كورسات خاصة، وبرامج دردشة، حتى تفضفض فيها النساء عن شواغلهن فى حرية، ويستمعن منها بشكل خاص إلى نصائح وإرشادات.

‎لابد أن تتساءل مؤسسات الدولة الثقافية، ولاسيما أن الدولة مسئولة عن الإنتاج الثقافى بدرجة كبيرة، لماذا انصرف الناس عن الثقافة، وجعلوا من الوسائط الإلكترونية نافذة للجسد والإثارة؟

‎لابد أن يسأل المثقفون أنفسهم لماذا تراجع وعى الناس، وصار انشغالهم بقضايا جدلية مثيرة بعيدا عن المسائل الثقافية الكبرى؟ أليس فى ذلك مسئولية غائبة للمثقف الذى صار بمعزل عن الجماهير؟

‎لابد أن يسأل الإعلام نفسه لماذا صارت انشغالات الناس ضحلة؟

‎هذه باختصار جانب من أسئلة التنوير والتثقيف وبناء الوعى الغائبة.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات