هوس السوشيال ميديا - سامح فوزي - بوابة الشروق
الأربعاء 30 يوليه 2025 11:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

هوس السوشيال ميديا

نشر فى : الثلاثاء 29 يوليه 2025 - 7:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 يوليه 2025 - 7:00 م

أزمة كثير من المسئولين فى عصر السوشيال ميديا  هى السعى الدءوب وراء الصورة، بمعنى الرغبة العارمة فى إنتاج صورة مبهرة تلفت الأنظار، ظنا أنها تنتج شعبية أو جماهيرية على الفضاء الرقمى، بينما لا يكون الوضع كذلك فى الواقع الفعلى.

النماذج كثيرة، ليست فقط «كيلو اللحمة» الذى قدمه أحد المحافظين للسيدة المسكينة التى طلبته منه، وقدمه لها، أيا كانت دوافعه، لكنه وجد من ينتقده على السوشيال ميديا، لأن الإشكالية ليست فى تلبية حاجة السيدة الفقيرة لكيلو لحمة، ولكن فى خروجها من دوامة الفقر، وتطوير نوعية الحياة، وتغيير واقعها للأفضل، وهو ما يمثل هم السياسات العامة، وبالتالى هم المسئول العام، وليس تلبية احتياجات جزئية تدخل تحت مسمى البر والإحسان، نجد كثيرين، ملايين يفعلونها كل يوم بأشكال مختلفة، تتجاوز بالتأكيد كيلو اللحمة.

وبالمناسبة ليس ذلك المحافظ هو المسئول الوحيد الذى فعل ذلك، ولكن السوشيال ميديا تعج بالصور والفيديوهات والأحاديث المسجلة التى يحرص المسئولون، وبخاصة المحافظين على إضفاء هالة إلكترونية على أعمال محدودة الفعالية، بينما الواقع يعج بالصعاب والتجاوزات. قبل عصر السوشيال الميديا الذى يلعب بعقول السياسيين، والمسئولين، والفنانين، بل ورجال وعلماء الدين، كان أصحاب العمل العام الحقيقى يفعلون الكثير دون توثيق مرئى، ودون أن يشغلهم نشر أخبار عما يقومون به، بل كان كل همهم هو تغيير الواقع إلى الأفضل. أليس حتى الآن يتناقل الناس أحاديث وقصصًا، غير موثقة إعلاميًا، عن وزير الداخلية الأسبق الراحل اللواء أحمد رشدى، الذى كان ينزل الشارع، ظاهرًا أو متخفيًا، ويرصد التجاوزات، ويعاقب المسئولين عنها. وقد يكون فى روايات الناس الشفهية عن الرجل بعض المبالغات، ولكن بالتأكيد أن بعضا مما يتناقلونه حدث بصورة أو بأخرى، وأن إنجازات كثيرة جرت على الأرض فى ذلك الحين. نموذج آخر يشهد له سكان بورسعيد هو الراحل اللواء مصطفى كامل الذى أحدث إنجازات، وواجه تجاوزات خلال عمله محافظا لها لنحو عشر سنوات، ولم تسجل كاميرا ما قام بها، بل ظل الناس يرددونها بعد أن ترك المنصب، بل وبعد أن رحل عن عالمنا.

أكثر من ذلك، عرفت «السوشيال ميديا» طريقها إلى العديد من المؤسسات العامة، بما فى ذلك تلك المؤسسات التى لا يُسمح بها بأى نوع من أنواع التسجيل المرئى إلا بموافقات وتصاريح خاصة مثل المحاكم، وذلك فى جلسات أحكام فى قضايا عادية، وليست قضايا رأى عام أو ذات طبيعة سياسية، يُراد من وراء توثيقها رسائل محددة، وكذلك الجامعات، التى من المفترض أن غرضها هو التعليم والبحث العلمى؛ حيث نشر فى الفترة الأخيرة مكالمات هاتفية قام بها رئيس جامعة مع طلاب وطالبات يهنئهم بتعيينهم معيدين دون سبب واضح أو مفهوم للتسجيل والنشر. 

ويرتبط بهوس السوشيال الميديا، هوس آخر مُكمل له هو الاحتفاء بالشكل على حساب المضمون. فى كثير من الندوات والمؤتمرات والاحتفالات التى تُجرى نجد «شكلًا» دون «مضمون» حقيقى، فى الوقت الذى لا يجد فيه العمل الجاد دعمًا أو مساندة، كل ذلك يعبر عن هوس بالصورة، الإبهار بالظاهر دون الجوهر، وبعد أن ينفض السامر، وتنتهى المناسبة لا نجد تأثيرًا للعمل، ولا أحد يستطيع البناء على ما تحقق. وللأسف فإن هناك مؤسسات كانت أبعد ما تكون عن تلك الحالة المظهرية صارت جزءا منها، مثل المؤسسات ذات الطبيعة الدينية والخيرية.

هل بات المجتمع ينزلق نحو «برجوازية الشكل»، أو «مظهرية الصورة»؟ هل يخدم ذلك تحديات التنمية التى يمر بها المجتمع، والتى تحتاج مواجهتها إلى جهود حقيقية، لا تعرف المظهرية، بل تصل إلى عمق الاحتياجات، وتلبى التطلعات الجادة؟ التنمية الحقيقية لا تعرف المظهرية، بل العمل الجاد الذى يتحدث عن نفسه.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات