الأستاذ مينا وبشير الكحلي - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأستاذ مينا وبشير الكحلي

نشر فى : الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 6:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 6:40 م

يشكو من هم خارج الوسط الأدبى من غياب المواهب الأدبية الكبرى التى كانت ذات تأثير واسع فى المجتمع، فى حين يشكو أهل الأدب من غزارة الإنتاج الروائى ذاته ويقولون «كل من هب ودب أصبح كاتبا للرواية"
ويظن الناظر للمشهد من بعيد أن دور النشر هى التى تقف وراء هذه الغزارة بأمل مقاسمة المؤلفين فى العوائد المالية المتوقعة من الجوائز وزمن البيست سيلر أو الحصول على مبيعات كبيرة، لكن واقع الحال يقول إن الحشود التى ترتاد معرض الكتاب تشترى بقليل من الأموال لذلك فإن صعوبات كثيرة تقف أمام تطور صناعة النشر وتهدد استمرارها.
ويؤكد الناشرون وأنا أصدقهم تماما أن رواج أى كاتب على مواقع التواصل الاجتماعى لا يعنى أن له وجود على الأرض ،كما أنه من النادر ترجمة هذا الاهتمام فى صورة مبيعات.
تقول أية مقارنة سريعة لأرقام المبيعات إن البيع كان أفضل فى الماضى قياسا على عدد المطبوع بالنسبة لتعداد سكان مصر فى الوقت الحالى.
وفى ظل تلك الرؤية الضبابية أصبحت مهمة القارئ فى العثور على كاتب جيد مهمة صعبة جدا لكن ما ينبغى التأكيد عليه هو أن لدى مصر والحمد لله مجموعة كبيرة من المبدعين الذين يستحقون اهتمام القراء وأن ما ينقصنا بالفعل هو وجود (فاترينة عرض) تستطيع تمييز هذا الإنتاج وسياسات ثقافية تنجح فى تقديمه ورعاية أصحابه الذين ينجحون رغم كل الظروف المحيطة فى المنافسة على أهم الجوائز الأدبية فى العالم العربى.
أظن أن مينا عادل جيد من بين الأسماء التى تستحق الرهان عليها والتأكيد على تمايز إنتاجه الأدبى، فمنذ أن نشر كتابه الأول (كنت طفلا قبطيا فى المنيا) ونحن أمام كاتب لديه أسئلة وجودية تشغله، يجيد التعبير عنها، وتدور حول هويته، وما واجهه من تحديات المواطنة عبر مختلف أشكال التمييزوقد الكتاب فاز بجائزة معرض القاهرة للكتاب قبل سنوات.
وفى أعماله الإبداعية التى توالت بعد كتابه الأول، ومنها (البطرخانة) أو (بيت المساكين) و(جزيرة إلخ إلخ) واصل مينا الإلحاح على تساؤلاته وانطلق بها إلى آفاق جديدة اتسعت لتقديم مقاربة ذات أبعاد سياسية فكتب رواية أقرب إلى الديستوبيا فانتازية الطابع وهى (جزيرة إلخ إلخ) التى كشفت جوهر ما يشغله بشأن تجارب التسلط.
ويتأكد هذا الهم الثقيل فى روايته الجديدة (الأستاذ بشير الكحلى) التى صدرت أوائل هذا العام عن الدار المصرية اللبنانية، وهى تمثل من وجهة نظرى علامة فارقة فى مسيرته.
وفيها يخوض مينا خيارا صعبا بتقديم مقاربة اجتماعية ونفسية لشخصية المتسلط المتشبث بالسلطة، لكن السلطة التى يقصدها تتخطى ضيق السياسة إلى اتساع المجتمع بما يشمله من تعقيدات.
رسم مينا شخصية فريدة من نوعها ومنحها البطولة التى تتجلى فى العنوان، فجاءت روايته أقرب إلى بروفايل موجز للأستاذ بشير الكحلى الذى فشل فى اجتياز اختبارات الالتحاق بالكلية الحربية لضعف بصره، ما اضطره إلى الالتحاق بالمعهد العالى للتربية الرياضية وأدار عمله بروح الضابط ليعوّض نفسه عن ضياع حلمه الكبير.
وحُول مدرسته الثانوية الصغيرة إلى دولة صغيرة ليضمن انضباط أفرادها وسيرهم على الصراط المستقيم، لكنه غادرها وتقاعد مبكرا ليحقق حلمه الكبير فى إنقاذ الوطن وتغيير المجتمع كله ليمشى وفق رؤيته الاستراتيجية التى على سهر على إعدادها.
بدأ الكحلى من الاقتصاد وأجرى مداخلات مع برامج تلفزيونية عديدة لتسويق رؤيته الإصلاحية إلا أن أصحابها أدركوا شعوره بجنون العظمة وتوقفوا عن الرد عليه.
ورغم ذلك لم يتوقف عن كتابة رسائل لمسئولين ووزراء ليقدم لهم راؤه وأفكاره لكنهم تقاعسوا عن الرد من باب الغيرة والخوف من المنافسة لذلك واصل بلا كلل من أجل إنقاذ الوطن.
وتبنى مقترحا غريبيا لإصدار قانون تغيير أسماء الشوارع التى تحمل أسماء أجنبية استعمارية وأصر على طباعته وتسليم لأعضاء البرلمان بنفسه إلا أن أجهزة الأمن تعاملت مع اقتراحه وقامت باستجوابه ثم أطلقت سراحه بعد أن أدركت عبث ما يفكر فيه ويعمل على تطبيقه.
تعرف الكحلى على (أميرة) وهى أرملة قريب له ذهب للعزاء فيه وأغواها بالمال ثم استعملها جنسيا رغم أنه كان يحتقرها فى داخله غير أنه وجد فى جمالها مساحة لإفراغ شهوته كما وجد فى عقل ابنها (يوسف الوردانى) أرضا خصبة لزرع أفكاره وتحويله إلى مسخ كامل وآلة تحفظ البيانات التى تزود بها.
منح مينا الجزء الأول كاملا لشخصية الكحلى فى حين منح الجزء الثانى كاملا لشخصية (يوسف) التى بدت صدى للجرائم الذهنية التى زرعها المتسلط فى عقل الشاب وسرعان ما تحولت إلى جرائم فعلية ارتكبها يوسف وتخلص فيها أولا من زميله الذى عايره بضعفه وسلوك والدته، كما تخلص من الكحلى نفسه وتركه للثعبان الأسود حين أدرك حقيقة نواياه وبلغ أقصى درجات اللذة وربط تحققه بالدم.
أعادتنى الرواية بما تضمنته من عوالم إلى كتاب (الإنسان المقهور) وهو كتاب شهير لعالم النفس اللبنانى البارز الدكتور مصطفى حجازى يحلل علاقات القهر وما أنتجته من أزمات ومسوخ بشرية، وتأكد لى اتساع رؤية مينا عادل جيدا وقدرته على نسج عالم متكامل لمجتمع المقهورين أظهر فيه الأثمان التى تدفعها مجتمعاتنا نتيجة شيوع هذا النمط لكن سخرية مينا عادل نجحت فى كسر حدته رغم ما تشيعه الرواية من ألم عميق.