التعبير الجماعي عن الوهم - سامح فوزي - بوابة الشروق
الخميس 22 مايو 2025 12:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

التعبير الجماعي عن الوهم

نشر فى : الثلاثاء 20 مايو 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 مايو 2025 - 6:55 م

 

فى مناسبات عديدة نجد حشدًا إلكترونيًا تلقائيًا يتشكل خلف قضية معينة، يعلقون، وينتقدون، ويسخرون، ويُصدرون أحكامًا مُطلقة، دون أن يكون لكثير من هؤلاء معرفة بالمعلومات التى تخص القضية التى يتصدون لها، سواء كانت عامة أو خاصة. ونظرا لأن طبيعة الفضاء الرقمى سريعة ومتغيرة، أحداث تطرد أحداثًا، فلا يهيمن شأن عليه سوى أيام معدودات ثم ينشغل الناس بقضية جديدة، وهكذا. ولكن يظل ما كتبوه فى الذاكرة الإلكترونية، يمكن استدعاؤه فى أى وقت.

وعندما أصفه بالحشد التلقائى، فإن ذلك يعنى أنه يمثل خليطًا غير متجانس، ليس صاحب رأى مسبق، لكنه ينفعل بالحدث، ويتأثر بتعليقات الآخرين، ويسير فى ركابهم، هذا بخلاف اللجان الإلكترونية المنظمة، التى تسير فى اتجاه معين، وفق توجهات، دون أن يكون لأى من أعضائها حرية الاختيار فيما يقول، بل ولا حرية التجويد فيما يكتب.

بعيدًا عن الحشود مسبقة التجهيز، فإن الجمهور العادى الذى يجد نفسه ينفعل، ويعلق، ويكتب، وينتقد فى قضايا لا يعرف أبعادها، وأحيانا لا يلم بالمعلومات الأساسية فيها، تحكمهم فى الغالب شهوة التقليد، والرغبة فى الحضور، ولفت الانتباه بالمزايدة، وهكذا.

فى قضية «الطفل ياسين»، لم يعد خفيًا، أن قطاعًا عريضًا من الذين كتبوا، وألقوا بنزينًا على النار لم يكونوا مدركين القضية، أو يعرفون شيئًا عنها، بعضهم انطلق بحسن نية متعاطفا مع الطفل، ونحن جميعا نتعاطف معه، وبعضهم الآخر تحرك بوعى طائفى بغيض لم يكن همه سوى السجال الدينى، وإشعال الموقف، حتى لو استدعى الأمر نشر شائعات، وأكاذيب، وأوهام.

فى قضية الدكتورة «نوال الدجوى»، وهى تدور حول حادث سرقة، أيا كانت ملابساته أو أبعاده، لا شأن لأحد به، سوى طرفين هما هذه السيدة التى لها رصيد فى العمل العام، وأجهزة الأمن المعنية التى تلقت بلاغها، وبصرف النظر عن حجم المبالغ والمصوغات التى تردد سرقتها من عدمه، فهذه مسألة لا تهم الجمهور العام الذى انبرى بسيل من التعليقات السلبية.

وفى أحيان كثيرة تصل التعليقات الإلكترونية إلى حالة من الاضطراب الذهنى، فلا تكتفى بطرح تساؤلات، ولكن تتجه إلى إصدار أحكام دون أن تعرض عليها أوراق القضية. كم هائل مذهل من الأحكام تطلق على الفضاء الرقمى بحق مؤسسات وأشخاص وأحداث، ويعاد تدويرها، حتى تصبح بمثابة توجهات فكرية أو حقائق لدى البعض.

فى بعض الأحداث التى أعرفها جيدًا، أفاجأ أن بعض مرتادى السوشيال ميديا يكتبون خرافات حولها، ويجزمون بصحتها، إلى حد أنها صارت فى رأى البعض حقائق، فى حين أنها أكاذيب وأوهام. أحد هؤلاء المدعين تصدى إلى حادثة تاريخية، المفروض أن تقوم على المعلومات فى جانبها الأكبر، فإذ به «يسجل شهادة للتاريخ» على ما حدث من واقع قربه من أطراف هذه الحادثة، فى حين أنه لم يكن على معرفة بأى منهم، ولم يكن يوما قريبا منهم، أو يعمل معهم، الطريف أنه بعد أن نشر أكاذيب عن هذه الحادثة، كتب معلقون على صفحته على فيسبوك يقولون «شكرًا أستاذنا على إيضاح الحقيقة».

أعرف جيدًا أن الأوهام تمنح ــ فى بعض الأحيان ــ توازنًا نفسيًا للناس الذين تصطدمهم حقائق الواقع، ولكن الأمر تخطى «الوهم الشخصى»، وأصبحت حالة شبه جماعية ينفث من خلالها الناس عن أزماتهم الشخصية العامة، والأمر لا يقتصر على العوام، الذين لا تثريب عليهم، ولكن يمتد لأكاديميين وخبراء ومشتغلين بالثقافة… إلخ، إلى حد أن أحد الأصدقاء قال لى ملاحظة معبرة: كشفت صفحات بعض الأسماء المعروفة على فيسبوك كثيرًا من الأمور المطمورة فى نفسياتهم، ولم أكن أدرك أن يصل التفكير بهم إلى هذا الحد.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات