عيد القيامة... مناقشة هادئة - سامح فوزي - بوابة الشروق
الأربعاء 16 أبريل 2025 12:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عيد القيامة... مناقشة هادئة

نشر فى : الثلاثاء 15 أبريل 2025 - 6:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 أبريل 2025 - 6:58 م

 

يتجدد كل عام نقاش ساخن حول عيد القيامة، الذى لا يعتبر عطلة رسمية، وهو ما يسبب غصة للأقباط، ويجدون فى ذلك تضامنًا من قطاع من المسلمين. ورغم إننى أتفهم الاعتبارات وراء عدم اعتباره عطلة رسمية، إلا أن المسألة تحتاج إلى نقاش هادئ، وحل جذرى.

من ناحية أولى يُعد عيد القيامة، أكبر وأهم الأعياد المسيحية، يشترك فى ذلك كل المسيحيين، أيا كانت طوائفهم، ومن تقاليد الدولة المصرية منذ عقود بعيدة، تهنئة الأقباط بهذه المناسبة، بدءا من رئيس الجمهورية، ويحضر مندوب عنه صلاة العيد، ويشارك بالتهنئة مجلس الوزراء رئيسا ووزراء، والبرلمان بمجلسيه، وقيادات المؤسسات الإسلامية، والهيئات القضائية، والأحزاب، والهيئات العامة، ورغم ذلك فإن العيد ذاته لا يُعد عطلة رسمية، بل هو عطلة فقط لبعض، وليس كل المسيحيين، وهو ما يشكل مفارقة غريبة، فلا يُعد عيد القيامة عطلة للمسيحيين سوى العاملين فى الجهاز الحكومى، والبنوك حسب قرار البنك المركزى، لكنه ليس عطلة للمسيحيين الذين يعملون لدى الغير فى القطاع الخاص، ويستوجب عليهم ــ طبقا للقانون ــ الحصول على إجازة من رصيد اجازاتهم حتى يحتفلوا بالعيد، وكذلك الأيام التى تسبقه التى لها مناسبة خاصة لدى المسيحيين مثل أحد الشعانين وخميس العهد، أو يمنحها لهم أصحاب الأعمال المسلمين على سبيل المجاملة. ليس هذا فحسب، بل إن الطلاب المسيحيين يستوجب عليهم الذهاب إلى الجامعات والمدارس.

من ناحية ثانية، قد يرى البعض أن عيد القيامة، يمثل معضلة خاصة للدولة، التى يستند دستورها إلى مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع، وتتخذ من الإسلام دين الدولة، وغالبية سكانها من المسلمين، حيث لا يعترف الإسلام بصلب وقيامة السيد المسيح، وهو أمر معروف، ويمثل اختلافا بينًا، يضاف إلى جملة الاختلافات بين الإسلام والمسيحية، ولا غرو فى ذلك، فالتعدد من خصائص الكون، والتنوع هو القاعدة وليس التماثل. يقر الإسلام ذلك، ويؤكد العلماء المسلمون فى أحاديثهم على أن الله لم يخلق الناس أمة واحدة، ولو أرادهم أمة واحدة لفعل، لكنه الخالق القدير العزيز جعل الاختلاف سنة من سنن الكون. وفى الدولة الحديثة، حيث يعيش مواطنون مختلفون فى كل شىء تقريبا، تصبح المواطنة هى المبدأ الذى يُحتكم إليه، أما الاختلافات الدينية فهى تخص المواطنين فى علاقتهم بالخالق، ولا تمس ما يتمتعون به من حقوق وواجبات أو تتصل بعلاقاتهم المتشعبة بعضهم بعضًا. 

ومن ناحية ثالثة، توجه سهام النقد، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، إلى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء فى هذه المسألة تحديدا، مثلما هو حادث الآن بعد أن أقر عطلتين إحداهما لعيد تحرير سيناء، والأخرى لعيد العمال، دون أن يشير إلى عيد القيامة، ولكن الحقيقة أنه حاول فى أعوام سابقة أن يتعامل مع هذه المسألة دون إثارة حساسيات، لكنه تعرض لانتقادات. ففى إحدى السنوات جعل من التباعد الاجتماعى إبان انتشار وباء كورونا سببًا لإجازة فى يوم عيد القيامة، وفى العام الماضى نقل إجازة عيد العمال الذى تصادف قبل ذلك بأيام إلى يوم الأحد، أى يوم عيد القيامة حتى يكون سببًا فى منح عطلة رسمية ذلك اليوم، وفى الحالتين انتقد، رغم نواياه الطيبة، لأنه أعطى إجازة مواربة، فى نظر البعض. ويبدو أنه من كثرة ما تعرض إليه من انتقادات فى المرتين السابقتين، آثر السلامة هذا العام، وارتكن إلى الموقف الرسمى تجاه عيد القيامة، لكن لاحقته الانتقادات أيضا، رغم أنه ــ فى رأيى ــ ليس مسئولا عن الوضع الراهن، والمسألة تتجاوز مجلس الوزراء، وتتطلب موقفا للدولة المصرية. ونتذكر أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك هو من أعلن عيد الميلاد عطلة رسمية.

ومن اللافت للنظر أن الدولة فى العقد الأخير خطت خطوات مهمة على سبيل تأكيد حقوق المواطنة، وممارسة المواطنين لشعائرهم الدينية، وأرست سوابق لم تكن موجودة من قبل، لم يضطرب لها المجتمع، أو ينتقدها، بل تفاعل الناس إيجابيا معها، ويكفى أن نطالع تهانى المصريين المسلمين لأشقائهم فى المواطنة من الأقباط على وسائل التواصل الاجتماعى حتى نتبين أن المجتمع تغير إيجابيا فى إدراكه لأهمية التنوع الدينى، والتسامح، ولا نغفل على الأطلاق دور سياسات الدولة فى تعزيز هذا الاتجاه.

من هنا، فقد جاء الوقت كى تنهى الدولة إشكالية عيد القيامة المتكررة سنويًا، فليس معنى وجود عطلة فى مناسبة دينية أن هناك اتفاقا عقائديا عامًا على مضمونها أو أنها بمثابة اعتراف دينى عقيدى، لأن المسألة فى الأول والآخر تخص أصحابها من المواطنين، واعتبار عيد القيامة عطلة، لا يعنى احتفال المسلمين بالعيد، ولكن يعنى إيجاد البيئة المناسبة لاحتفال الأقباط بالعيد، وإتاحة الفرصة أمام المسلمين ليعبروا عن مودتهم للأقباط، مثلما يحدث من جانب الأقباط فى الأعياد الإسلامية. وقد أقرت المرجعيات الإسلامية المعتبرة فى مصر أن تهنئة الأقباط بأعيادهم من أعمال البر فى الإسلام.  

وللقارئ أن يتخيل أن الشركات الأجنبية، وبعض المؤسسات الخاصة والبنوك، والمدارس الدولية، تخصص إجازة عامة فى عيد القيامة، فى حين أن المدارس والجامعات الحكومية لا تفعل ذلك، والقطاع الخاص غير ملتزم بذلك، فإذا أردنا أن نتحدث عن لم شمل الأسرة، وتعزيز الروابط الإنسانية، ألا يستحق الأمر أن تكون هناك إجازة عامة تجتمع فيها الأسرة المصرية، مادام بعض أفرادها فى عطلة، دون أن يضطر بعضهم الآخر إلى العمل؟

وتشير التجربة إلى أنه كلما اتجهت الدولة نحو تعزيز ثقافة المواطنة والتسامح، لاقى ذلك تأييدا من قطاعات واسعة من المجتمع، فلم تعد مصر كما كانت عليه فى السبعينيات وما تلاها، تعانى من احتقانات دينية مستمرة، بل صارت العلاقات الإسلامية المسيحية، رغم بعض التحديات، أكثر دفئا، وعمقًا، وتتوالى الزيارات المتبادلة، وتعج الحياة العامة بأنشطة وفعاليات مشتركة إسلامية مسيحية على المستويين الحكومى والأهلى، وتتفاعل بكثافة المؤسسات الدينية على الجانبين. لم نعد نستغرب أن نجد قيادات كنسية تتحدث فى مؤتمرات الأزهر ودار الإفتاء إلى جوار العلماء المسلمين، أو قيادات إسلامية تزور مؤسسات مسيحية، وتلقى محاضرات عامة بها. فالهم المشترك يجمع كل المصريين. ولا يخص اعتبار عيد القيامة عطلة رسمية المسلمين، لا فى عقيدتهم ولا طريقة حياتهم، بل يخص فى المقام الأول تقدير الدولة لمناسبة احتفال المسيحيين بعيدهم الكبير، وهو ما لا يختلف عليه قطاع واسع من المصريين، أما إذا احتكمنا إلى آراء متشددة فقهيا، فلن يُرضى المتشددين دينيا أى مظهر من مظاهر التنوع الدينى، بدءا من بناء وترميم الكنائس مرورا بزيارات الرموز الإسلامية المعتبرة وقيادات الدولة للكنيسة، وفى مقدمتهم بالطبع الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أرسى تقليدا لم يسبقه إليه أحد من الحكام فى مصر فى عيد الميلاد كل عام، يصعب أن يحيد عنه أى رئيس قادم، ليس فقط فى شأن التهنئة، ولكن فى كثير من قضايا المواطنة التى خاض فيها بجرأة، دون تهيب أو خشية من أحد، بل أعلن مرارا أن ما يقوم به تجاه المواطنين المسيحيين يعبر عن صدق إيمانه بالإسلام، أولا وآخرا. 

من هنا فإننى أرى أنه آن الأوان كى ننهى هذه الحالة الجدلية المتكررة سنويا، بإعلان عيد القيامة عطلة رسمية، وإذا كان تسمية هذه العطلة يستدعى حساسيات لدى البعض، أتفهمها بالطبع، رغم أننى لا أتوقع ذلك، يمكن تسميته عطلة العيد الكبير عند المسيحيين، وإننى على يقين أن المصريين سوف يستقبلون الأمر بارتياح واستبشار، وتصبح علامة أخرى مضيئة على طريق المواطنة.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات