عزيزي المستبد.. رواية القفاز الناعم - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 3:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عزيزي المستبد.. رواية القفاز الناعم

نشر فى : الثلاثاء 20 يونيو 2023 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 يونيو 2023 - 7:15 م

لفت نظر العنوان الذى اختارته الكاتبة الصحفية زينب عفيفى لروايتها الجديدة (عزيزى المستبد) الصادرة أخيرا عن الدار المصرية اللبنانية.
وعهدى أن الكاتبة الراسخة فى مؤسسة أخبار اليوم والتى قضت عمرها المهنى بالكتابة عن الكتب تتسم فى كتاباتها بنزعة رومانسية لا تتحمل مثل هذه العناوين التى تحيل القارئ مباشرة إلى السياسة ووجع القلب الذى يأتى منها.
حين بدأت مطالعة الرواية أخذتنى تماما إلى عالمها، وظلت فى حقيبتى عدة أيام وأثارت فى عقلى الكثير من التساؤلات حول عالمها الشجى فهى مثل القفاز الناعم.
وكان السؤال الأول حول التحدى التقنى الذى اختارته الكاتبة حين اختارت أن تكتب رواية تعتمد اعتمادا كاملا على رسائل تكتبها امرأة لرجل تظن أنها تحبه ويمثل هذا التحدى مأزقا كبيرا لأنه على الأقل ورطها أمام القارئ فى مقارنات مع روايات عالمية كثيرة تتخذ من الرسائل مدخلا لتناول قصص الحب أو الانفتاح على عالم أكبر.
وما لم تكن الكاتبة على دراية بمفهوم الإيقاع بحيث تستطيع التدخل لتنجو بعملها فى الوقت المناسب لضاع القارئ وسقط أسير الرتابة، وأظن أنها فعلت ذلك بنجاح،
خصوصا وأنها وسعت من عالمها ليتجاوز التجربة الفردية وملأته بعوالم أخرى مستمدة من الأسئلة التى تطرحها الأعمال الأدبية والموسيقى والفن التشكيلى، وبالتالى صاغت ملامح العالم الذى يمكن أن يجتذب فنانة بمواصفات البطلة التى اختارتها الكاتبة.
من جهة أخرى ذكرنى عالم الرواية بالعالم الذى أبدعه الكاتب الراحل بدر الديب فى روايته الرائعة (إجازة تفرغ) وهى رواية ذهب بطلها الرسام الصحفى إلى قرية صيادين منعزلة ليجد إجابات عن تساؤلات وجودية شغلته حول حرية الفنان فى زمن الالتزام السياسى والحدود المتاحة أمامه ليطرح هما ذاتيا بينما الوطن كله يستعد لمعركة كبيرة وخلال إجازته يجد نفسه فى علاقة جسدية مع زوجة صياد كانت تأتى إلى غرفته لتنظفها.
أما بطلة زينب عفيفى فقد خاضت تجربة من نوع مختلف لأنها كانت تبحث عن التحرر من أسر الماضى والراهن معا، هربت من القاهرة إلى عزلة مختارة فى إحدى القرى الساحلية القديمة حيث تملك عائلتها شاليها صغيرا مناسبا للوحدة التى أرادتها لتفكر فى حياتها بعد أن انفصلت عن زوجها الذى خانها مع فتاة صغيرة.
وعلى سبيل العلاج تمارس هوايتها القديمة فى الرسم ثم تتعرف على رجل آخر فى أحد اللقاءات العامة ويكلفها أحد الأصدقاء بتوصيله إلى منزله وبعد تعارف قصير يكتشفان أن بينهما الكثير من المشتركات التى تطور علاقتهما وحين تذهب وحدها إلى الشاطئ تكتب له رسائل فى صورة يوميات بشأن ما تعيشه ونكتشف من خلالها خلفيتها وثقافتها كما نكتشف ثقافته أيضا والطريقة التى يحيا بها، كما نتعرف على عالم القرية الساحلية الصغيرة الساكنة تماما فى توقيت الكورونا العصيب ويبدو أنه التوقيت الذى دفعنا دفعا لاعادة التفكير فى معنى الوحدة.
تلتقى البطلة بأشخاص آخرين يمارسون وحدتهم وأبرزهم موسيقار يجمع سكان القرية ليعزف لهم كل مساء مقطوعات لا تسرى عنهم بقدر ما تستفز فيهم مكامن الألم.
تعطى الكاتبة للقارئ إشارات بأن بطلتها على وشك التعلق بجارها لكنها لا تطور هذا الاحتمال أبدا وتبقى أسيرة احتمال آخر بأن ما تعيشه مع صديقها الذى تكتب له رسائلها علاقة حب معلقة مشدودة على وتر الرومانسية الحساس بينما يستبد بها العاشق وهو يفتش فى ماضيها، وما عاشته قبل أن تنتهى إلى عالمه.
أجمل ما فى الرواية أنها مكتوبة بتكنيك مرن يلائم موضوعها ويقوم على استعمال لغة بسيطة تلائم الرسائل النصية ويبقى ضمن نسيج العوالم التى تجيد زينب عفيفى صياغتها بدفء آسر، لكن إلى جوار البساطة هناك تكوين جيد للشخصيات إلى جانب تأسيس ذكى للخلفيات الاجتماعية والذاتية للأبطال، واستثمار سكون المكان.
ملأت الكاتبة عالم بطلتها بالمنامات والتساؤلات التى تبقى منها، وردتها إلى تكوينها الرومانسى وربطت حيوية عالمها بالمنامات، بالوقوف أمام البحر، ووضعت القارئ أمام تساؤلات تخص واقع أزمة منتصف العمر وما تخلفه من فجوات فى الروح تظهر أن المشاعر لها حياة تنمو وتكبر معنا، بحيث تبدو الوحدة دافعا للتنقيب فى الذكريات ومرافئ الحكايات القديمة وفى نفس الوقت تكون العلاقات الجديدة متحررة من أى التزام ومرهونة بأفق وحيد هو التجربة.
والمؤكد أن تقنية الرسائل بما انطوت عليه من مرونة أعطت الكاتبة حرية البوح واللعب فى الزمن وربط كل ذلك بتساؤلات إيقاظ الرغبة، بحيث تجلت الرحلة ذاتها كـ(قيامة) وبعث جديد لروح معطوبة.
وعلى الرغم من العنوان الذكى للرواية وهو حيلة تسويقية بارعة إلا أن المستبد ليس هو الحبيب الشكاك، بل البطلة التى ظلت مقيدة بتصور رومانسى عن العالم واستبدت بالبطل ولم تمنحنا الفرصة أبدا لنتعرف عليه من خلاله وليس من خلالها، فهو بطل غائب وفاعل لا وجود به، فى حين منحتنا تصورا بأنها (المفعول به إلى النهاية) ولم تجرؤ أبدا على تخطى وحدتها واختارت الأسر الدائم وليس الحرية لأنها بطلة تحب أن تبقى على الحافة.