امرأة غير سعيدة - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

امرأة غير سعيدة

نشر فى : الإثنين 20 يوليه 2009 - 8:35 م | آخر تحديث : الإثنين 20 يوليه 2009 - 8:35 م

 رب ضارة نافعة. لولا الأزمة الاقتصادية العالمية لما عرفنا ما نعرفه الآن عن قابلية الرأسمالية للتوحش عندما تتراخى رقابة الدولة، ولما سمعنا عن العلاقة بين سعادة المرأة وحالة الكساد.

أذكر أنه عندما سمعت لأول مرة عن تفاصيل هذه العلاقة، وكان هذا منذ أشهر قليلة، قفزت إلى ذهنى على الفور سمعة العلاقة بين المرأة والمال. كان الظن السائد لدى الكثيرين، أن نقص المال فى يد المرأة سبب كاف لتكون تعيسة، تبين بعد ذلك أن الزيادة فى معدلات الطلاق فور وقوع الكساد كانت الأعلى فى أوساط الطبقة الأرستقراطية والشرائح العليا من الطبقة المتوسطة، وكانت عند حدودها المعتادة أو بزيادة طفيفة فى أوساط الفقر والعشوائيات. وتبين أيضا أن ارتفاعها فى الأوساط العليا يعود لأسباب تتعلق بالوجاهة الاجتماعية والشعور بعدم الاستقرار وتدهور القيم والأخلاق الذى يصاحب عادة الأزمات، لم يكن نقص المال فى يد المرأة سببا من أسباب ارتفاع معدلات الطلاق.

أعرف أن بعض الذين اقتربوا من المرأة فى محاولة لفهمها مقتنع بأن العلاقة بين المرأة والمال علاقة باردة. يعرف هؤلاء العلماء أن اكتشافهم هذا يتعارض مع ما استقرت عليه العادات والتقاليد، وأغلبها يميل إلى فكرة أن العلاقة بين المرأة والمال إن لم تكن ساخنة فهى على الأقل دافئة طوال الوقت. القائلون ببرودها يعتقدون أن المرأة حين تبدو مهتمة بالمال فذلك لأنها حريصة، بطبيعتها، على تحقيق الأمان لأسرتها، خاصة لأطفالها، ودليلهم على ذلك، أن المرأة فى معظم المجتمعات لا تكتنز المال نقدا وإنما تجمده ذهبا ومجوهرات وأصولا ثابتة.

بدأ منذ القدم اطمئنان الرجل إلى «حكمة» المرأة فى التعامل مع الدخل والمصروف وتحقيق التوازن بينهما، وأثبتت المرأة قدرة فى هذا المجال سمحت لها بأن تحتكر هذه المهمة ولم تسمح للرجل بالافتئات عليها إلا نادرا ولغرض فى نفسها. ويبدو أن هذا الاطمئنان ينتقل الآن إلى بيوت المال وأسواقه. قيل، وتردد كثيرا فى الآونة الأخيرة، إن الرجل يقف وراء الأزمة الراهنة لميله إلى الجشع وبسبب توحش بعض أساليب تعامله مع المال.

لم يكن مفاجئا، والأمر هكذا، أن يلجأ شعب أيسلنده فى مطلع هذا العام إلى استبدال النساء بالرجال فى الوظائف الأساسية بالقطاع المالى والمصرفى وأن ينتخب شعب ليتوانيا امرأة كرئيس للجمهورية تحت شعار ذاع وانتشر فى أرجاء أوروبا «ليتوانيا اتخذت قرارها وسلمت أقدارها إلى امرأة».

ومع استحكام الأزمة تتسع دائرة الدعوة لتشجيع المرأة على تولى مناصب اقتصادية ومالية كبيرة، استنادا إلى اقتناعات بعضها موغل فى الرومانسية. نسمع من جديد حكايات كانت ترويها جدتى عن نساء خلقن لإسعاد الآخرين. المرأة فى الروايات تبدع فى التخطيط لأى عمل تشعر أنه يمكن أن يدخل السعادة إلى قلوب من تحب أو ترعى أو من تشعر أن واجبها إسعادهم. رأيتها بنفسى تبدع. كنا فى رحلة فى اليابان حين قررت رئاسة الوزارة استضافتنا على عشاء تقوم على خدمتنا خلاله فتيات من الجيشا. سمعت عنهن وقرأت ورغم كثرة ما سمعت وقرأت عرفت فى تلك الأمسية ما لم أكن أعرف.

عرفت معنى أن تقضى حياتك تؤدى مهمة إسعاد الآخرين. رأيتهن يعزفن أرقى الموسيقى ويغنين أحلى الأغانى ويناقشن ضيوفهن فى أدق الأمور وكان نصيبى أزمة النظام المصرفى فى اليابان وعواقب الثورة الثقافية فى الصين والأوضاع المتردية فى الشرق الأوسط. عدنا إلى الفندق وقد ازددنا علما، وأكلنا طعاما شهيا وقضينا وقتا ممتعا. عرفت فيما بعد أنه ينفق على فتاة الجيشا لتدريبها وتلقينها أصول السياسة والفن والاقتصاد أكثر مما ينفق على أعظم المستشارين وكبار رجال الدولة. هذه المرأة ليست أكثر من نموذج للبلايين من النساء اللائى يعملن لإسعاد الآخرين.

إلا أن المرأة التى آلت على نفسها أن تسعد الآخرين تؤكد التقارير والدراسات الحديثة أنها غير سعيدة. تقدم التقارير أسبابا ثلاثة على الأقل لتفسير ظاهرة تعاسة المرأة المعاصرة. أولها أن المرأة غير راضية عن إنجازاتها فى مجال إسعاد الآخرين.

اكتشفت أنها لا تعطى البيت ما يستحق من الحب والحنان والرعاية ولا تجد وقتا تخصصه لأبنائها وبناتها، وإن وجدت وقتا ستصدمها حقيقة أنهم لا يجدون وقتا لها.

ثانى سبب يتعلق بالطلاق. إذ اتضح أن شبح الطلاق يخيم على كل مكان وينشر فى المجتمع الخوف وعدم الاطمئنان. ويعتقد علماء اجتماع أن الزيادة الراهنة فى نسبة الطلاق تأتى نتيجة مباشرة للكساد والبطالة ونقص الدخل وارتفاع الأسعار، وبسبب المزاج العام السائد فى المجتمع. وبعض هؤلاء يعتقد أن الرجل بدأ منذ مدة يفقد «سيادته» فى المجتمع عامة وفى البيت خاصة. إن الرجل الذى يفقد سيادته، وهى أحد أهم علامات رجولته، تضعف قدرته على التعامل بجرأة مع مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، وعلى هذا الأساس تتعامل معه المرأة، سواء أكانت زوجة له أم ابنة أم رفيقة أم زميلة.

تقدم التقارير سببا ثالثا وراء تفشى ظاهرة الطلاق، فالرجل المتزوج المهدد فى وظيفته أو فاقدها رجل متقلب المزاج غير مأمون الجانب. وإن لم يكن متزوجا فهو غير مؤهل نفسيا أو ماديا أو عاطفيا للزواج.

فى أجواء كساد وبطالة وعفن سياسى وفى وجود رجال تنازلوا عن أداورهم ومسئولياتهم وسيادتهم كيف يمكن للمرأة أن تشعر بالسعادة؟ كيف تسعد وشبح الطلاق مخيم أو أمل الزواج يبتعد؟ كيف تسعد والرجل، الجزء المكمل وربما الضرورى، ضائع ومنعزل وفاقد سيادته وأشياء أخرى.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي