شعبية إسرائيل وشعبية أوباما - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شعبية إسرائيل وشعبية أوباما

نشر فى : الأربعاء 20 أكتوبر 2010 - 9:54 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 أكتوبر 2010 - 9:54 ص
منذ بداية اهتمامى بالشأن العام ثار فى ذهنى تساؤل بسيط طالما عجزت عن إدراك إجابة مقنعة له: ما المنطق وراء الدعم الأمريكى الأعمى لإسرائيل؟ نمط من الدعم لم يتكرر مطلقا فى التاريخ الإنسانى أو فى تاريخ العلاقات بين الدول على مر العصور.

دخلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حالما ببعض الإجابات عن الأسئلة الكبيرة فى مخيلتى، وانقضت أعوام الدراسة، ولم أحصل على إجابة مقنعة على السؤال الأم. ثم كان الانتقال للولايات المتحدة نفسها، واعتقدت أننى أقترب كثيرا من الوصول لقلب الإجابة من أصحاب الشأن أنفسهم.

ومرت أعوام من العيش فى عدة ولايات بدأ من نيويورك على ساحل المحيط الأطلسى وحيث يوجد أكبر وأقوى تجمع ليهود العالم، إلى مدينة سان فرانسيسكو الساحرة على ساحل المحيط الهادى فى شمال ولاية كاليفورنيا، مرورا بالوسط الأمريكى فى ولاية أوهايو وعودة للساحل الشرقى فى ولاية مريلاند، ثم انتهاء فى العاصمة الأمريكية واشنطن. ورغم احتكاكى بالعديد من رموز صناعة القرار والرأى الأمريكى، فإننى لم أعثر على إجابة مقنعة لفهم سر الدعم الأمريكى الأعمى لإسرائيل، حتى مشاركتى مؤخرا فى مناقشات منتدى عقد فى مدينة بوسطن عن السياسة الأمريكية والديانات السماوية، حيث اقتربت كثيرا من إجابة مقنعة لسؤالى.

وخلاصة ما توصلت إليه هو ببساطة أن «شعبية popularity إسرائيل تفوق شعبية أى رئيس أمريكى عند الشعب الأمريكى»!

نعم، فشعبية إسرائيل لدى الأمريكيين تتعدى نسبة شعبية أى رئيس أمريكى. فعلى سبيل المثال تصل الموافقة الشعبية الأمريكية على الرئيس باراك أوباما وسياساته طبقا لاستطلاع لوكالة رويترز للأنباء أجرته يوم 7 أكتوبر إلى نسبة 43% فى حين يرفض 53% سياساته. وقد انتهى لنتيجة مماثلة استطلاع آخر أجرته محطة سى إن إن يوم 5 أكتوبر حيث عبر 45% عن دعمهم لسياسات أوباما، فى حين عبر 52% عن رفضهم لسياسياته.

فى الوقت نفسه تصل نسبة الموافقة على ما تقوم به إسرائيل 65% طبقا لاستطلاع رأى قامت به مؤسسة زغبى، فى حين عبر 21% فقط عن معارضتهم لسياسات إسرائيل. ويرى 81% من الشعب الأمريكى فى إسرائيل «الحليف الذى يمكن الاعتماد عليه فى الشرق الأوسط» طبقا لاستطلاع للرأى قامت به مؤخرا مؤسسة هاريس.
ذلك رغم ما اقترفته إسرائيل فى حق الولايات المتحدة، مثل تدمير المدرة ليبرتى فى ستينات القرن الماضى، مرورا بتسريب أسرار عسكرية وتكنولوجية أمريكية للصين، إضافة للتجسس على الجيش الأمريكى نفسه، ورفضها التوصل لسلام فى الشرق الأوسط بما يضر بالمصالح الأمريكية.

وهذا ما عبر عنه ديفيد باتريوس، القائد الحالى للقوات الأمريكية فى أفغانستان، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ والتى ذكر فيها أن الغضب العربى المطلق تجاه الولايات المتحدة الذى تسببه القضية الفلسطينية يحدد الدعم وقوة الشراكة الأمريكية مع شعوب وحكومات المنطقة. وان تنظيم القاعدة، والجماعات المتطرفة الأخرى تستغل هذا الغضب لتعبئة الدعم المؤيد لها، كما أن استمرار الصراع يعطى إيران نفوذا كبيرا فى العالم العربى.

ورغم هذا فالدعم الأمريكى لإسرائيل راسخ لا يهتز ولا ينقص.
نعم هناك لوبى قوى مؤثر يسعى لأن يستمر الوضع الحالى من سيطرة إسرائيلية على مقدرات الشعب الفلسطينى بلا تغيير فى ظل دعم أمريكى مطلق وعلى طول الخط لكل ما تقوم به إسرائيل حتى لو قامت ببناء المزيد من المستوطنات فى القدس الشرقية والضفة الغربية، كما فعلت مرة أخرى الأسبوع الماضى.

ويرى دانيال كورتيزر، السفير السابق لدى مصر 1997ــ2001 ولدى إسرائيل 2001ــ2005 أن المسئولين الإسرائيليين ينظرون للعالم بطريقة مختلفة، ولن يقوموا بفعل شىء لمجرد أن الرئيس الأمريكى قال هذا أو ذاك.

وقد ذكر أوباما نفسه فى اجتماع مع الأعضاء اليهود فى الكونجرس أنه لن يفرض حلا، ولا يستطيع فرض حل على الإسرائيليين أو الفلسطينيين إن أراد، وأكد فقط أن دوره يتمثل فى عرض خطوط عريضة للتفاوض بين الطرفين.

ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلى هو التطبيع وبناء الثقة بين إسرائيل والأطراف العربية المختلفة بما فيها الدول الخليجية وتحقيق ما يسمى السلام الاقتصادى أولا.

ويمثل العامل الدينى حجر الأساس الأهم فى مصادر الدعم لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، ويدعم رؤية نتنياهو الدعم الذى تحصل عليه إسرائيل من جماعات الايفانجاليكال التى تريد أن تعجل من سيطرة إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة، إيمانا منها بأن هذا يسرع من عودة المسيح الثانية.

ذكر والتر راسييل مييد الباحث بمجلس العلاقات الخارجية، خلال محاضرته بمنتدى بوسطن «أن التأييد الأمريكى البروتستانتى لليهود وإسرائيل وجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأمريكية الناشئة، وقبل أن تتأسس دولة إسرائيل».

ويرى مييد أن الأمريكيين الأوائل من المتدينين البروتستانت كانوا يؤمنون بأنهم شعب مختار، وان مسيحيتهم هى المسيحية الأفضل والأصح، وان تأسيس الدولة اليهودية فى إسرائيل يثبت أنهم شعب مختار أيضا مثل اليهود، وأن الرب يبارك أمريكا، وأنهم الأمريكيون مباركون من الرب، وأن نجاح الإسرائيليين هو نجاح للأمريكيين.

ويقوم إيمان الايفانجليكال على عقيدة مفادها أنه قبل نهاية العالم سيرجع ‏المسيح، ويملك فى الأرض مدة ألف سنة مع المسيحيين المؤمنين، وبعد ذلك تنتهى الدنيا. ولكن المسيح، كما ترى هذه العقيدة لن يرجع إلى الأرض قبل أن يرجع جميع اليهود إلى ‏فلسطين. وقد أخذ أتباع هذه العقيدة بعض نبوءات العهد القديم وطبقوها على العصر الحاضر. فهناك، مثلا، نبوءة فى أحد الأسفار تقول: إن الله سيعيد اليهود إلى أرض الميعاد، أى إلى فلسطين.

وقد أكد لى أكبر قادة المسيحية الصهيونية، القس ريتشارد لاند، أن ثلاثة أرباع الايفانجليكالين يؤيدون إسرائيل بصورة كبيرة جدا، وأن الرب وعد اليهود بالعودة للأراضى المقدسة، وها هو الوعد يتحقق!
وعندما سألته عن قضية الولاء المزدوج، وإذا ما كان الايفانجليكالين يقفون مع أمريكا ومصالحها الإستراتيجية، أم مع إسرائيل، إذا ما تناقضت المصالح، رد القس لاند بثقة شديدة «هذا شىء غير ممكن، واعرف الكثيرين من الأمريكيين ممن لن يدعموا حكومتهم إذا ما استعدت إسرائيل».

أما نحن كشعوب ومواطنين مصريين وعرب فعلينا ألا نفقد ما بقى لنا وهو شعبية القضية الفلسطينية وشعبية الشعب الفلسطينى فى سلم أولوياتنا، بعيدا عن مراهقة ومهاترات حماس وفتح، وبعيدا عن سلبية حكامنا انتظارا ليوم يتم ترجمة هذه الشعبية لقوة سياسية ذات معنى.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات