لا تخلو وسيلة إعلامية إسرائيلية من تحريض على تجويع، وطرد، وإبادة الشعب الفلسطينى، لكن القناة التليفزيونية الإسرائيلية، الرابعة عشرة، بمقدمى برامجها، وبالضيوف الذين تنتقيهم، فاقت كل وصف فى الفجاجة والشعبوية، حتى إن الحكومة العراقية أصدرت بيانا، مؤخرا، استنكرت فيه، بشدة، وضع القناة اسم وصورة المرجع الشيعى الأعلى فى العراق، آية الله على السيستانى، ضمن قائمة المستهدفين بالاغتيال، فى أحد برامجها، وطالبت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش باستنكار ما فعلته القناة.
إنها شعبوية ممنهجة ومؤسسية، إذ تصنَّف القناة على أنها قناة اليمين السياسى الإسرائيلى، خاصة الليكودى، بزعامة بنيامين نتنياهو، وتعكس برامجها دعما واضحا له؛ وقد أوصى بعض أعضاء الكنيست من الليكود، من بينهم زعيم الحزب، نفسه، نتنياهو، وزعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، وزعيم حزب «شاس»، حزب الحريديين - المتدنيين المتشددين - الشرقيين، أرييه درعى، الشعب الإسرائيلى بمشاهدة القناة، فضلاً عن أن القناة تُكثر من إجراء مقابلات تليفزيونية مع نتنياهو، الذى لا يجرى مقابلة مع أى وسيلة إعلامية إسرائيلية أخرى غيرها.
تقول رئيسة معهد «زولات/الآخر»، زهافا جيلؤون: «التحريض على جرائم الحرب جزء من آلة السم بالقناة الرابعة عشرة، هدفها خلق حرب أزلية هنا. نحن نتحدث عن قناة تحظى بامتيازات تنظيمية قانونية من جانب الدولة وتخدم المصالح السياسية الحزبية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو».
إذا، هى قناة تقف خلفها معظم الأحزاب اليمينية، وتخدم أجندتها، التوسعية، والعدوانية، والعنصرية. تحظى القناة بنسبة مشاهدة عالية لدى الشعب الإسرائيلى، وتأتى نشرة الأخبار الرئيسة، التى تقدمها، فى المرتبة الثانية بعد النشرة الرئيسة للقناة الثانية عشرة.
• • •
تتبعت ثلاث منظمات حقوقية إسرائيلية، بحسب عيدو كوهين، فى «هاآرتس»، هى: «الآخر ـ من أجل المساواة وحقوق الإنسان»، و«الحركة من أجل قانون عادل»، و«البلوك الديمقراطى»، خطاب الإبادة الذى تتبناه القناة فوجدت أنها أفردت مساحة لأكثر من 50 قولا يدعو إلى أو يؤيد ارتكاب إبادة جماعية ضد أبناء وبنات الشعب الفلسطينى، ولأكثر من 150 قولا يدعو إلى أو يؤيد ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؛ كما وثّقت المنظمات الثلاث عشرات من التصريحات التى دعا فيها ضيوف القناة، أو مقدمو البرامج بها، أو الأشخاص المشاركون فى مناقشة قضية ما، إلى الطرد الجماعى لسكان غزة وإلى استعمال التجويع سلاحا ضمن أسلحة القتال، وحرَّض عشرات آخرون على العنصرية ضد سكان غزة وضد الشعب الفلسطينى، كافة.
أرسلت المنظمات الثلاث خطابات إلى المستشارة القضائية للحكومة، جالى بيهراف ميارا، وإلى مفوضية شكاوى الجمهور بالشبكة الثانية للتلفزة والراديو، دعت فيها إلى فتح تحقيق جنائى ضد القناة، لتحريضها الممنهج والموسع لارتكاب هذه الجرائم، ولخرقها القواعد الأخلاقية للبث الإعلامى، وفرض غرامات وعقوبات عليها، لكن هذه الهيئات لم تلق بالاً إلى الشكوى حتى الآن، ومن المرجح أنها لن تتخذ موقفا ضد القناة فى ظل حالة التعبئة العامة ضد الشعب الفلسطينى.
• • •
لن يتسع المجال فى المقال لعرض كل ما تفوه به مقدمو البرامج أو الضيوف، لكن تجدر الإشارة إلى أن الضيوف يمثلون شريحة متنوعة من الإسرائيليين، منهم: أعضاء كنيست، وفنانون، وأكاديميون، وغيرهم، لذا سنكتفى بعرض نماذج منها فقط. فى الثانى عشر من شهر أكتوبر 2023، استضافت القناة عضو الكنيست السابق، عن حزب الليكود، موشيه فيجلين، فى برنامج: «الوطنيون» - أحد البرامج الشهيرة بالقناة - الذى قال، فى إطار حديث عن الحرب: «إذا لم يكن هدف هذه العملية (يقصد الحرب على غزة) هو التدمير، والاحتلال، والطرد، والاستيطان، فإننا لم نفعل شيئا».
بعد ذلك بثلاثة أيام، فى الخامس عشر من أكتوبر 2023، أذاعت القناة رسالة مصورة للمطرب الإسرائيلى الشهير، إيال جولان، دعا فيها إلى «محو غزة تماما، وعدم إبقاء إنسان واحد هناك» (ضُمِّنت دعوة المطرب ضمن دعوى قضائية ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية فى لاهاى، وفكرت إسرائيل بعدها فى إجراء تحقيق جنائى ضده، لكنها لم تفعل).
وثمة مطربٌ شهير، آخر، يُدعى كوبى بيرتس، حل ضيفا على البرنامج، نفسه، فى 10 مارس 2024، انبرى لمهاجمة أستاذ القانون، البروفيسور، كوهين إليا، الذى تحفظ من أن مطربين وجنودا يغنون أغنية، يرددها جمهور إحدى الفرق الرياضية الإسرائيلية المتعصبة، تدعو إلى حرق القرى الفلسطينية، بما فيها التى تقع داخل إسرائيل، عنوانها: «فلتحترق قريتكم»، بحجة أن هذا يضر إسرائيل فى الإجراءات القضائية الدولية ضدها، فقال: «كل الجنود يفكرون مثلى [...] نحن لا نحرق لهم القرية وحسب، نحن نمحو لهم القرية وينبغى أن نحرق لهم القرية».
وعلى الجانب الأكاديمى استضاف البرنامج، فى 19 أكتوبر 2023، باحثا فى معهد مسجاف للأمن القومى والاستراتيجية الصهيونية، من أصول إيرانية، يُدعى، إلياهو يوسيان، قال: «العدو ليس «حماس»، وإنما غزة. العدو ليس حركة فتح، وإنما عرب يهودا والسامرة (الفلسطينيون بالضفة الغربية) [...]. عندما تقول سكانا - لا وجود لسكان. يوجد (فى غزة) مليونان ونصف مليون إرهابى [...]. بما أنه لا يوجد فى غزة إنسان برئ، فإنه لا مبرر للنقر على السطح. فى الساعات العشر الأولى من الحرب - فى اللحظة التى رأينا فيها أنهم اغتصبوا وقطعوا الرقاب وذبحوا وفعلوا كل شىء - كان ينبغى علينا أن نزيل 50 ألف غزاوى». كرر يوسيان، فى برنامج بث فى شهر فبراير من عام 2024، أيضا، مقولة أن هناك «مليونين ونصف مليون مخرب» فى غزة.
ومن الصحفيين صحفى يُدعى، إيتمار فلايشمان، وهو ضيف دائم فى برنامج «الوطنيون»، قال: «تعلم العدو ما الذى يحدث إذا خُطف منا إنسان واحد، فخطف منا 200. يجب على العدو أن يفهم أن هذا الأمر غير مُجْدٍ. لذا إذا كان يتعين على أطفال غزة أن يجوعوا وأن يعيشوا فى مجارى الصرف الصحى، فليكن - أعيدوا لنا المخطوفين وينتهى ذلك». وقال، فى البرنامج نفسه، فى السادس والعشرين من نوفمبر 2023: «سيتحقق النصر هنا بشرط واحد. بشرط أن يدمر اليهود تلك الجرذان المعادية للسامية الذين فعلوا هذه الحكايات (...) الآن يجب أن يكون هذا تدميرا شاملا. لا يجب أن نخاف من كلمات مثل كارثة إنسانية (...) فلنقطع ببساطة دابرهم». وقال، فى الحادى والعشرين من فبراير 2024، إن «الحل الأكثر إنسانية هو تجويعهم (سكان غزة). والخيار بين يدى المدنيين. هل تريدون مواصلة الجوع؟ استمروا فى دعم حماس [...] لذا فالمصلحة الإسرائيلية، فى نظرى، أن تكون هناك مجاعة فى غزة وكارثة إنسانية فى غزة».
• • •
أما فيما يتعلق بمقدمى البرامج فى القناة، والمعلقين السياسيين بها، فحدث ولا حرج. ففى الثانى من نوفمبر 2023، قال المعلق السياسى الشهير بالقناة، يعقوف بردوجو، فى استوديو أخبار 14، إنه «ينبغى القصف بلا تمييز (بين المدنيين وغير المدنيين). نحن نميز وهذا أمر غير جيد (...) بوسع سلاح الجو أن يعمل ما هو أكثر، وألا يميز بين متداخلين (فى القتال) وغير متداخلين».
وفى 21 فبراير 2024، بعد بضعة أسابيع من إصدار محكمة العدل الدولية فى لاهاى أمرا مرحليا بشأن واجب دولة إسرائيل فى منع إبادة شعب، قال المذيع بالقناة، شمعون ريكلين فى أحد البرامج: «حذرنى موشيه كوهين (كوهين إليا، بروفيسور فى القانون وأحد الضيوف الدائمين بالقناة) قبل البرنامج من أننى إذا قلت هذا الكلام فقد تُرفع علىّ دعوى فى لاهاى، لكن لتعلموا أن أحد الأشياء التى تساعدنى على النوم منذ السابع من أكتوبر هو أن أرى المبانى المختلفة وهى تتطاير فى الهواء فى غزة، أنا أستمتع بهذا. فإلى المزيدّ! فلنهدم أكبر قدر ممكن، فليكن لهم ما لا يعودون إليه». وكتب المذيع، نفسه، فى تدوينة على منصة إكسX فى السابع عشر من أكتوبر 2023: «أخبرونى. لماذا لدينا قنبلة ذرية فى واقع الأمر؟».
وفى الرابع عشر من أكتوبر 2023، قالت مقدمة البرامج بالقناة، نافا درومى، فى برنامج «الوطنى» إنه "لا يوجد أبرياء [...] لقد جلبوا على أنفسهم النكبة فى 1948. فلتكن لهم الآن نكبة ثانية، لكن حقيقية، لإنهاء ما قام به من بن جوريون».
وفى 3 أغسطس 2024، قرأ مقدم برنامج «الوطنيون»، يانون مجال، «بوستا» من الشبكة الاجتماعية لجندى من جنود الاحتياط، يقول فيه: «الدمار فى غزة يمنحنى شعورا جيدا. غزة فى حالة دمار. يجب أن تستمر آلة التدمير فى العمل».
• • •
من ناحية ثانية، تقدم القناة معطيات محدَّثة، طوال شهور الحرب، على موقعها الإلكترونى، عن عدد القتلى الفلسطينيين، استنادا إلى أرقام وزارة الصحة فى غزة، بمن فيهم المدنيون والنساء والأطفال، لكنها تصنفهم، جميعا على أنهم «المخربون الذين صفيناهم». هذا غيض من فيض الديماجوجية والشعبوية العنصرية، التى تتبناها وسائل الإعلام، المدعومة من أكبر كتلة سياسية فى إسرائيل، وتلقى صدى جماهيريا عريضا.
ليت مؤسساتنا تولى عناية بأمثال هذه القنوات وغيرها من وسائل الإعلام، وترصد كل صغيرة وكبيرة على الجانب الآخر، خاصة وأن مصر بها كوادر قادرة على القيام بالمهمة.