هاجر الطفل الفقير فى الرابعة من عمره بصحبة والدته من تركيا وطنه الأم ليحلق بوالده الذى هاجر إلى ألمانيا قبلها بسنوات للبحث عن لقمة عيش كريمة لأسرته وعمل فى مصنع فورد للسيارات بألمانيا.
لم يكن أحد ليتصور أن هذا الطفل الصغير سيحفر اسمه فى سجل التاريخ العلمى الناصع للبشرية هو وزوجته٬وأنه سينقذ البشرية من فيروس كوفيد 19 ذلك الكائن الأسطورى الذى دوخ البشرية وأذل كبرياءها ونشر الرعب فى كل مكان.
كبر الطفل المهاجر أوغر شاهين وأصبح عالما مشهورا ونجح فى بناء مؤسسة علمية تقنية رائدة فى ألمانيا بعدما بذل قرابة 51 عاما منذ هجرته حتى اليوم فى كفاح متواصل، وواصل الليل بالنهار فى البحث العلمى دون كلل أو ملل حتى أنه كان فى معمله صباح اليوم الذى تزوج فيه.
لقد كان للصدفة دور كبير فى تحول أبحاث هذا العالم العظيم وزوجته من مقاومة الخلايا السرطانية إلى تدمير فيروس كورونا، ولكن الصدفة الحسنة والجميلة لا تأتى إلا لأهلها، ولا يفوز بها إلا من واصلوا الليل بالنهار علما وعملا وفكرا، ولم ينشغلوا بالتوافه، فكم سقط التفاح وغيره من الفواكه على رءوس النائمين ولكن أين عقل نيوتن ليدرك قانون الجاذبية.
وكما حدث مع عقار الفياجرا وشركة فايزر حدث مع لقاح الكورونا وأوغور شاهين وزوجته وشركة فايزر أيضا، لتربح الشركة هذه المرة أضعاف أضعاف ما ربحته من عقار الفياجرا، وكما تحول البحث على عقار الفياجرا من دواء للقلب والذبحة الصدرية إلى أهم عقار للضعف الجنسى، تحول البحث من علاج لخلايا السرطانية لعلاج سرطان العصر «الكورونا».
أهل العلم والفكر وسهر الليالى هم وحدهم المؤهلون لحصد جوائز العلم الربانية التى لا يمنحها الله للكسالى والخاملين ومزورى الرسائل الجامعية والمتسلقين للمناصب العلمية بالمحسوبية والرشوة أو دعاوى الولاء والانتماء الكاذب.
قد يجوز ذلك فى مناصب السياسة والإدارة، أما مناصب العلم لا تكون إلا لأهل العلم مهما كان أصله أو فصله أو انتماؤه أو عرقه أو دينه أو فكره، العلم للعلماء.
أوغور شاهين ابن العامل البسيط والمهاجر من تركيا إلى ألمانيا يصبح من بين أغنى مائة ألمانى، فقد زادت قيمة أسهم شركته بعد اكتشافه للقاح من 4 مليارات إلى 21 مليار دولار.
أثناء عمل أوغور شاهين وفريقه العلمى على اكتشاف علاج مناعى يدمر الخلايا السرطانية بدأ فيروس كورنا يجتاح العالم بداية من الصين وتحديدا فى مدينة ووهان الصينية، أدرك وقتها بحسه العلمى الدقيق أن المسافة قصيرة بين قدرة مشتقات الحمض النووى RNA على مواجهة السرطان وقدرتها على مواجهة الفيروس.
هاله ما فعله الفيروس بالناس سواءً فى ألمانيا أو فى بلده الأصلى تركيا أو فى بلد منشأ الفيروس فى الصين، وجد الفيروس يأكل الأخضر واليابس ويعبر القارات والمحيطات.
وجد فيروس كورونا عاث فى الأرض فسادا دون شفقة أو رحمة، فكم من أطفال يتمهم ونسوة رملهم، وزوجة حولها لثكلى، وكم من أسرة دمرها، كم أبكى الضاحكين، وفرّق بين الأحبة والأصدقاء، فجع الناس فى أحبائهم وأقرب المقربين إليهم.
منّى نفسه أن يكون وزوجته ومؤسسته ممن سخرهم الله وقيضهم القدر لوقف زحف هذا الفيروس المجنون، على الفور كوّن فريق عمل مكونا من «400» باحث وموظف من شركته تعاون مع شركة فايزر التى كانت تموّل أبحاثه عن علاجات السرطان.
وجاءت نهاية هذا الفيروس الجبار «كوفيد 19» على يد هذا العالم العظيم وزوجته د. أوزليم توريسى وهى ابنة طبيب تركى هاجر إلى ألمانيا.
وهكذا صرع الزوجان العظيمان الفيروس العنيد، وتم إنتاج لقاح جيد يعد الأفضل ضمن عشرة لقاحات عالمية لم تتحقق نتائج تضاهيه، فالمصل الجديد يحقق وقاية كاملة للإنسان من الكورونا خلال 28 يوما.
العالم كله لا حديث له اليوم إلا عن لقاح كورونا ود. شاهين وزوجته الدنيا كلها تتسابق من أجل الوصول إلى اللقاح، لأنه قد يوقف نزيف الموتى الذى جاوز المليون، ونزيف الإصابات بكورونا التى جاوزت خمسين مليونا حول العالم، ويوقف انهيار الاقتصاديات الكبرى، قد يوقف انهيار دول بأكملها، قد يعيد الحياة لسيرتها الطبيعية، قد يعيد السياحة والتجارة الخارجية إلى معدلاتها.
المفارقة الكبرى أن رئيس مجلس إدارة فايزر مهاجر من أصل يونانى وشركة شاهين وزوجته من أصل تركى ويرجع للشركتين الفضل فى اكتشاف المصل ورغم ما بين الشعبين التركى واليونانى من صراعات وخلافات إلا أن العلم والمختبر ومصل كورونا جمع بينهما واصطلحا فى محراب العلم والنفع العام ليقدما للعالم ولشعبيهما رسالة حب وسلام خفية من بين أنابيب المعامل.
شاهين وزوجته يعيشان فى شقة صغيرة بجوار مقر عملهما ويعود إلى عمله بدراجته فى تواضع مذهل يحتاج إليه كل المتكبرين من أساتذة الجامعات فى بلادنا، فالبحث العلمى هو أيقونة حبهما والتواضع هو أخلاقها.
د. شاهين وزوجته ألمانيان من أصل تركى ورئيس مجلس إدارة فايزر ألمانى من أصل يونانى وأستاذ شاهين بروفيسور كريستوف هوبر نمساوى وفريق العمل الذى ساعد فى اكتشاف المصل من 60 دولة كل ذلك يعنى أن الله قدر التعددية فى البشر وجعلهم رجالا ونساءً وبيضا وسودا وملونين من ذوى أعراق وأديان وملل مختلفة ليتعارفوا ويتعاونوا «إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» ثم فى النهاية «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، وأنه ليست هناك أمة فيها الخير الخالص أو الشر الخالص، وأن خير الناس أنفعهم للناس كما قال رسول الله «ص».
وقد اختبر اللقاح الجديد على 43.500 فى ستة بلدان وحقق نسبة نجاح تقارب 90% ولا توجد حتى الآن تحفظات صحية على مفعوله، وقد حصل الفريق الذى عمل على إنتاج اللقاح بلقب «مشروع سرعة الضوء».
حانت لحظة الانتصار للعلم والإنسانية كما انتصروا من قبل على فيروس شلل الأطفال والالتهاب الكبدى، والبلهارسيا، والكوليرا.
ولك أن تتأمل حياة البروفيسور شاهين وزوجته فكلاهما ولد لأبوين مهاجرين، وكيف كان يقضى فى المختبر حتى ساعة متأخرة من الليل ويعود لمنزله بدراجة رغم امتلاكه لـ 28% من أسهم شركة عملاقة تقدر بالملايين وزادت أسهمها عشرات المرات، حتى فى يوم زفافه قضى بالمعمل عدة ساعات.
ترى لو ظل شاهين وزوجته فى بلادهما الأصلية هل كان سيصلان إلى ما وصلا إليه، ولو ذهبا لاجئين إلى أى دولة من العالم الثالث مثلا هل كانا سينجزان مثل هذا الانجاز، ولك أن تتأمل شركة د. شاهين كيف يعمل فيها علماء من 60 دولة دون خوف أو وجل أو حذر منهم أو اتهام بتهديد الأمن القومى.
لو لجأ شاهين ووالداه إلى دولة من دول العالم الثالث لكان همه فقط كيف يجدد الإقامة سنويا، أما أن يحصل على الجنسية فهذا محال حتى لو كان أرقى من هذه الدولة بكثير.
وتأمل كيف استفادت ألمانيا من ثلاث هجرات كبرى اثنين من تركيا والثالثة من سوريا فى السنوات الأخيرة عقب الحربين العالمية الأولى والثانية، أما معظم بلاد العرب فهى من أجهل البلاد ورغم ذلك لا تمنح جنسيتها لأى عالم إلا نادرا.
سلام على العلماء وتحية لشاهين وزوجته ومبروك مقدما لهما جائزة نوبل فى الطب، عن جدارة واستحقاق.