إلى كل المنتفضين دفاعا عن التحفة الإنسانية الخالدة «حلاوة روح»، اطمئنوا، سيعود الفيلم للعرض، وسيكون بإمكانكم الاستمتاع بالسيناريو المحكم والتصوير المبدع، والموسيقى التصويرية المبهرة والأداء الراقى للممثلين، فلا تهنوا ولا تحزنوا.
لم أشاهد الفيلم، لكن روايات كثيرين ممن أثق فى ذائقتهم الفنية لخصتها العبارة الشعبية البليغة «سيما أونطة هاتوا فلوسنا».
لكننى، وبرغم ثقتى فى رأى أصدقائى، سأبتعد عن التقييم الفنى للفيلم لأننى لم أشاهده، وسأتوقف فقط عند مواقف الأطراف المختلفة فى الصراع المحتدم، الحكومة من ناحية، والرقابة على المصنفات الفنية والفنانين والتيارات المدافعة عن حرية الإبداع من ناحية ثانية.
فيما يتعلق بالحكومة، فقد جاء قرار رئيس الوزراء «بوقف عرض الفيلم لحين عرضه على هيئة الرقابة على المصنفات الفنية» صحيحا ودستوريا ولا يتصادم مع قانون الرقابة، الذى ينص فى المادة التاسعة منه على أنه «يجوز للسلطة القائمة على الرقابة أن تسحب بقرار مسبب الترخيص السابق إصداره فى أى وقت، إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك، ولها فى هذه الحالة إعادة الترخيص بالمصنف، بعد إجراء ما تراه من حذف أو تعديل أو إضافة أو تحصيل رسوم».
وكما ترى، فإن محلب لم يمنع الفيلم، لكنه أعاده من جديد للرقابة لتعيد النظر فى بعض المشاهد التى اعترض عليها المجلس القومى للأمومة والطفولة، وسيكون على الرقابة أن تقرر ما تراه مناسبا، باعتبارها الجهة المنوط بها الإجازة أو المنع، أى أنه تصرف فى حدود سلطاته دون تجاوز، بعكس ما يردده كثيرون ممن انبروا لمهاجمة القرار فور صدوره، واعتبروه وصاية على عقل المشاهد وعودة لعصور الظلام وانتكاسة لحرية الإبداع، بل إن بعضهم وجدها مناسبة للمطالبة بإلغاء الرقابة أصلا، باعتبار أن «ضمير المبدع هو الرقيب الوحيد على عمله»، وهى مقولة لطيفة كما ترى، لكنها مثل كثير من لطائف حياتنا، قولة حق يراد بها باطل، ورأيى الذى لا أخفيه هو الإبقاء على الرقابة ضمن سياق يسمح بتخفيف القيود على المبدعين، ويحصر ملاحظاتها فيما يمس الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع وقيمه الأساسية، وهى معان فضفاضة دون شك، يمكن لأى كان أن يستغلها على هواه، ولا سبيل إلى إعمالها على وجهها الصحيح، إلا بمزيد من تثقيف وتدريب الرقباء، والاستفادة دوما من منهج التجربة والخطأ.
كما أننى أتفهم أيضا مخاوف الفنانين، وهى مخاوف مشروعة فى ضوء تجارب سلطوية سابقة، فى الأدب، كما فى السينما والدراما وصولا إلى البحث العلمى.
أعرف أن كثيرين اضطروا للدفاع عن فيلم «حلاوة روح» برغم أنهم يعتبرونه فيلما تافها ومبتذلا، خوفا من فتح الباب لتدخلات السلطة التنفيذية بفرض مزيد من القيود على المبدعين، لكننى أنبه فقط إلى المبالغة فى رد الفعل، والتى لم تلتفت إلى أن الفيلم أوقف ولم يمنع،فضلا على أن رئيس الحكومة لم يتجاوز سلطاته، بإعادة الفيلم من جديد للرقيب لإبداء رأى نهائى.
وأظن أن منتج الفيلم محمد السبكى، هو أكثر المستفيدين مما جرى، فقد وجد المدافعون عن حرية الإبداع أنفسهم مضطرين لمؤازرة بضاعته الفاسدة، فضلا على مكاسبه المتوقعة فى حالة عودة الفيلم قريبا لصالات العرض.
هامش:
لا أذكر فى أى من رواياته، قرأت هذه العبارة البديعة للأديب الكولومبى الراحل جارثيا ماركيز:
للأشياء حياتها الخاصة بها.. علينا فقط أن نوقظ روحها.