جميل عطية إبراهيم بين جيل الستينيات وأدب المنفى - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جميل عطية إبراهيم بين جيل الستينيات وأدب المنفى

نشر فى : الثلاثاء 21 أبريل 2020 - 9:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أبريل 2020 - 9:25 م

رحل عن دنيانا منذ أيام فى هدوء، بل وقد نقول فى صمت، فى مدينة بازل السويسرية، حيث كان يقيم منذ سنوات طويلة، الكاتب الكبير والروائى البارز والقصاص الموهوب والصحفى المتميز الصديق العزيز الأستاذ جميل عطية إبراهيم، وذلك بعد سنوات من المعاناة مع المرض.
وينتمى الأستاذ جميل عطية إبراهيم تاريخيا إلى ما يطلق عليه فى تاريخ الأدب المصرى والعربى «جيل الستينيات»، وهو جيل ضم الكثير من العمالقة من الروائيين والكتاب والقصاصين، أذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر من الراحلين الأستاذ جمال الغيطانى والأستاذ إبراهيم أصلان ومن الأحياء الأستاذ بهاء طاهر والأستاذ يوسف القعيد والأستاذ صنع الله إبراهيم والأستاذ إبراهيم عبدالمجيد، أمد الله فى أعمارهم وفى عطائهم المثرى للثقافة والفكر والأدب على الساحات المصرية والعربية والعالمية. بل إن الأستاذ جميل عطية إبراهيم كان أحد مؤسسى مجلة «جاليرى 68» والتى ارتبطت فى الذاكرة دائما بجيل الستينيات فى الأدب المصرى والعربى وعبرت عنه.
وقد جمع هذا الجيل بين العديد من الخصائص التى ميزته عن أجيال الأدباء الذين جاءوا من قبله، وكذلك عن أجيال الأدباء الذين جاءوا من بعده. فقد اهتم هذا الجيل بما عرف بالرواية الاجتماعية، وذلك فى ظل التأثر الكبير لذلك الجيل بما شهدته مصر من تحولات اجتماعية جذرية، خاصة بشكل متزايد منذ مطلع عقد الستينيات من القرن العشرين، وبالتالى أصبح الأدب الصادر عن ذلك الجيل لا يكتفى، مثل حالات سبقته، بمجرد التعرض عرضا للأوضاع الاجتماعية فى سياق السرد الروائى أو القصصى، بل صارت المسائل الاجتماعية والجدليات المرتبطة بها هى محور الأعمال الأدبية وتمثل جوهر العمل وقضيته وإشكاليته ومبتغاه. ومن جهة أخرى، فقد تميز هذا الجيل بالاهتمام أيضا بالبعد التاريخى فى العمل الروائى والقصصى، بل اعتبار حدث من أحداث التاريخ هو بمثابة نقطة انطلاق فى المعالجة الروائية أو القصصية ومرتكز للتعامل مع موضوع العمل وأبطاله وشخوصه.
وقد أتاحت لى الظروف فرصة التعرف على الكاتب والروائى الكبير الراحل جميل عطية إبراهيم وتواصلت صلتى به منذ نحو خمس وثلاثين عاما، حيث كان يعمل وقتذاك مراسلا للإذاعة المصرية ولوكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية المصرية فى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى مدينة جنيف السويسرية، ولكنه كان يشار إليه بالبنان من قبل جميع الصحفيين والمراسلين العرب المعتمدين لدى الأمم المتحدة آنذاك فى جنيف باعتباره عميد الإعلاميين العرب لدى الأمم المتحدة بجنيف، وكان أيضا رحمه الله وثيق الصلة بكافة الدوائر السويسرية الثقافية والفكرية على امتداد البلاد، باعتبار أنه كان يعمل فى جنيف ولكنه يقيم فى مدينة بازل، وكان الجميع يعرفون قدره الفكرى وعطاءه الأدبى ومكانته الثقافية، ويكنون له كل التقدير والإجلال وهو ما كان يتبدى من خلال رؤية كيفية تعاملهم معه، وكان دائما ما يحظى بالدعوة كمتحدث أو معقب أو معلق فى الكثير من الفاعليات الأدبية التى تنظمها الجهات السويسرية ذات الصلة أو الجهات العربية فى سويسرا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالثقافة العربية وبالأدب العربى.
وقد كانت مدينة جنيف السويسرية فى ذلك الوقت تزخر بالعديد من كبار الكتاب والروائيين المصريين، فبالإضافة إلى الراحل الكبير الأستاذ جميل عطية إبراهيم، كان هناك الكاتب والأديب الكبير الأستاذ بهاء طاهر والذى كان يعمل فى إدارة الترجمة بالأمم المتحدة بجنيف، وخرجت العديد من رواياته المهمة ومجموعاته القصصية التى تشكل علامات بارزة فى مسيرته الأدبية، كما صدرت العديد من أعماله الفكرية المهمة، وقد كتبها وهو يعمل ويقيم فى جنيف، وكان من أهم تلك الروايات «خالتى صفية والدير» و«الحب فى المنفى»، ومن أهم تلك الكتب «أبناء رفاعة: الثقافة والحرية»، كذلك عمل آنذاك فى إدارة الترجمة بالأمم المتحدة الكاتب والمفكر الذى رحل عن عالمنا منذ أشهر قليلة الأستاذ خيرى عزيز، وهو صاحب العديد من الكتب والدراسات والكتابات الرصينة، خاصة عن تجارب التنمية والتحديث فى البلدان العربية، وفى جنيف تقيم منذ زمن بعيد أيضا، ولا تزال، الكاتبة والروائية المصرية الكبيرة الأستاذة الدكتورة فوزية أسعد، والتى صدر لها العديد من الروايات والكتب باللغة الفرنسية وترجم الكثير منها إلى اللغة العربية ونشر فى مصر لاحقا، كذلك شهدت جنيف فى نفس تلك الفترة إبداعات الكاتبة والروائية المصرية الكبيرة الأستاذة الدكتورة فوزية العشماوى التى كانت، ولا زالت، تقوم بتدريس الأدب العربى بجامعة جنيف. ولحق بهذه الكوكبة المتميزة فى مرحلة لاحقة، وتحديدا فى عقد التسعينيات من القرن العشرين، السفير المصرى القدير والروائى والكاتب المتميز محمد توفيق، وذلك عندما شغل منصب نائب المندوب المصرى الدائم لدى الأمم المتحدة فى جنيف.
ونعود إلى موضوعنا الأساسى هنا وهو الأديب والكاتب الكبير الراحل الأستاذ جميل عطية إبراهيم، فبالرغم من أن مجموعته القصصية الأولى كانت «الحداد يليق بالاصدقاء»، وتلتها رواية «النزول إلى البحر»، فلا يكاد يوجد خلاف على أن أهم أعماله الأدبية وأعمقها أثرا كانت بلا شك الثلاثية الشهيرة: 1952، 1954، 1981، والتى تناولت فى سياق روائى محكم ومبدع فى آن واحد تاريخ مصر والمجتمع المصرى على مدى أكثر من ثلاثة عقود مهمة ومحورية فى التاريخ الحديث والمعاصر للشعب المصرى، وكل تاريخ من التواريخ الثلاثة يمثل معلما اساسيا فى التاريخ المصرى المعاصر ابتداء بأحداث 23 يوليو 1952 وخلفياتها، ومرورا بفاعليات أزمة مارس 1954، ووصولا إلى اغتيال الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات. ولقد وصف الأستاذ جميل ثلاثيته تلك فى يوم من الأيام وصفا موجزا ولكنه شديد الدلالة، وشديد التواضع فى آن واحد، وهو أنها «كانت محاولة لفهم ما جرى».
وبالإضافة إلى ما لاقته ثلاثية الأستاذ جميل عطية إبراهيم من تقدير رفيع من كبار نقاد الأدب العربى والكثير من الأدباء ذوى القامات الرفيعة فى مسيرة الثقافة والفكر والأدب المصرى والعربى، فقد لاقت إعجابا جماهيريا وشعبيا واسعا عندما تحولت إلى مسلسل تليفزيونى مصرى، تم تصوير الكثير من مشاهده فى مدينة جنيف، بالإضافة إلى ما كان قد تم تصويره من مشاهد قبل ذلك فى مصر. إلا أنه بقى، من وجهة نظرى المتواضعة، العمل الروائى أعظم كثيرا من العمل الدرامى الذى سعى إلى ترجمته، مع كل الاحترام لما بذل من جهد واضح وجاد فى المسلسل المذكور، وإن كان قد بقى بالتأكيد للعمل الدرامى فضل إيصال الكثير من مضمون الرواية ورسالتها إلى عدد أكبر من قراء الرواية بفضل طغيان الإقبال الجماهيرى على الشاشة الصغيرة على أعداد المقبلين على شراء الكتب وقراءتها، مهما زادت الأخيرة.
رحم الله فقيد الأدب المصرى والعربى الصديق العزيز الأستاذ جميل عطية إبراهيم بقدر عطائه لأدبه الذى ارتقى بتوهج من المحلية إلى العالمية.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات