يصف الكاتب المشهد فى غزة موضحًا انتشار رائحة المجارى غير المعالجة، وسماع أصوات ناقلات الجنود المدرعة الإسرائيلية، والشاحنات الممتلئة بالأطفال. كذلك، تنتشر نقاط التفتيش التى ترفع أعلام إسرائيل على الطرق والتقاطعات. وتهيمن المستوطنات الاستعمارية -غير القانونية بموجب القانون الدولى- على سفوح التلال فوق القرى والبلدات الفلسطينية. كما يتمتع المستوطنون بالحماية الأمنية وإمكانية الوصول إلى مصادر المياه الوفيرة فى هذه المنطقة القاحلة التى يحرم منها الفلسطينيون.
فى السياق نفسه، يوضح الكاتب أن الجدار الخرسانى الذى يبلغ ارتفاعه 26 قدمًا، والذى يمتد على طول 440 ميلًا من فلسطين المحتلة (جدار الفصل العنصرى)، مع كتاباته التى تدعو إلى التحرير، وجداريات المسجد الأقصى، ووجوه الشهداء، أعطى الضفة الغربية شعورًا بأنها سجن فى الهواء الطلق.
هذا الجدار يدمر المناظر الطبيعية، ويفصل الفلسطينيين عن عائلاتهم، ويقسم القرى الفلسطينية إلى نصفين، وهذا يعنى محاصرة الفلسطينيين فى الدولة اليهودية (النسخة المحدثة للبانتوستان).
ويقول الكاتب: «أنا فى سيارة مرسيدس سوداء متهالكة يقودها صديق فى الثلاثينيات من عمره لن أذكر اسمه لحمايته. كان يعمل فى البناء فى إسرائيل لكنه فقد وظيفته - مثل جميع الفلسطينيين العاملين فى إسرائيل تقريبًا- فى 7 أكتوبر. ولديه أربعة أطفال. إنه يكافح وقد تضاءلت مدخراته، وأصبح من الصعب شراء الطعام ودفع ثمن الكهرباء والماء والبنزين. يشعر بأنه تحت الحصار، وهو كذلك بالفعل».
ويضيف الكاتب، أنه سيلتقى بصديقه الروائى عاطف أبوسيف الذى كان فى غزة يوم 7 أكتوبر مع ابنه ياسر، البالغ من العمر 15 عامًا. وكانا يزوران العائلة عندما بدأت إسرائيل سياسة «الأرض المحروقة». أمضى أبوسيف 85 يومًا فى التحمل والكتابة يوميًا عن كابوس الإبادة الجماعية، لترى هذه المذكرات المؤلمة النور فى كتابه «لا تنظر إلى اليسار» (لمواجهة الدعاية الإسرائيلية الزائفة).
وفى رام الله يصف الكاتب الأحوال هناك بعد أن التقى بصديقه الروائى، قائلًا: «مشينا إلى محل كباب وجلسنا على طاولة صغيرة فى الهواء الطلق». إن ندوب التوغل الأخير للجيش الإسرائيلى أصبحت قاب قوسين أو أدنى. وفى الليل، أحرق جنود إسرائيليون المحلات التجارية التى تتعامل مع تحويلات الأموال من الخارج. وهى أطلال متفحمة. سيكون من الصعب الآن الحصول على الأموال من الخارج، وأعتقد أن هذا هو الهدف".
شددت إسرائيل قبضتها بشكل كبير على أكثر من 2.7 مليون فلسطينى فى الضفة الغربية المحتلة، الذين يحيط بهم أكثر من 700 ألف مستعمر يهودى يقيمون فى حوالى 150 مشروعًا استراتيجيًا مع مراكز التسوق والمدارس والمراكز الطبية الخاصة بهم.
إضافة إلى كل هذه الجرائم السابقة، قتل الجنود والمستوطنون الإسرائيليون 528 مدنيًا فلسطينيًا، من بينهم 133 طفلًا، وأصابوا أكثر من 5350 آخرين فى الضفة الغربية، منذ 7 أكتوبر، وفقًا للمفوض السامى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
كما احتجزت إسرائيل أكثر من 9700 فلسطينى - بما فى ذلك مئات الأطفال والنساء الحوامل. وقد تعرض العديد منهم للتعذيب الشديد، بما فى ذلك الأطباء الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت فى الزنازين الإسرائيلية وعمال الإغاثة الذين قُتلوا بعد إطلاق سراحهم. كما دعا وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن جفير إلى إعدام السجناء الفلسطينيين لإفساح المجال للمزيد.
وكانت رام الله، مقر السلطة الفلسطينية، فى الماضى، بمنأى عن أسوأ أعمال العنف الإسرائيلية. لكن منذ 7 أكتوبر تغير هذا، فأصبحت المداهمات والاعتقالات تجرى بشكل شبه يومى فى المدينة وما حولها، ويصاحبها أحيانًا إطلاق نار مميت وقصف جوى.
معلومة إضافية، قامت إسرائيل بتجريف ومصادرة أكثر من 990 منزلًا فلسطينيًا فى الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر، ما أجبر أصحابها فى بعض الأحيان على هدم مبانيهم أو دفع غرامات باهظة.
ونفذ المستوطنون الإسرائيليون المدججون بالسلاح هجمات دموية على القرى الواقعة شرق رام الله، بما فى ذلك الهجمات التى تلت مقتل مستوطن يبلغ من العمر 14 عامًا فى 12 أبريل بالقرب من قرية المغير. ورداً على ذلك، قام المستوطنون بإحراق وتدمير منازل ومركبات فلسطينية فى 11 قرية، وقتلوا فلسطينياً وأصابوا أكثر من عشرين آخرين.
أمرت إسرائيل بأكبر عملية مصادرة لأراضى الضفة الغربية منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث صادرت مساحات واسعة من الأراضى شمال شرق رام الله. ووعد وزير المالية الإسرائيلى اليمينى المتطرف بتسلئيل سموتريش، الذى يعيش فى مستعمرة يهودية والمسئول عن التوسع الاستعمارى، بإغراق الضفة الغربية بمليون مستعمر جديد.
وتعهد سموتريتش بمحو المناطق المميزة فى الضفة الغربية التى أنشأتها اتفاقيات أوسلو. وتقع المنطقة (أ)، التى تشكل 18% من الضفة الغربية، تحت السيطرة الفلسطينية الحصرية. وتقع المنطقة (ب)، التى تشكل حوالى 22% من الضفة الغربية، تحت السيطرة الأمنية للاحتلال العسكرى الإسرائيلى. وتقع المنطقة (ج)، التى تشكل أكثر من 60% من الضفة الغربية، تحت الاحتلال الإسرائيلى الكامل.
وتتعرض جنين ومخيم اللاجئين المجاور لها لاعتداءات يومية من قبل الوحدات المسلحة الإسرائيلية وفرق الكوماندوز السرية والقناصين والجرافات، التى تقوم بتسوية أحياء بأكملها بالأرض. فتحلق الطائرات بدون طيار المجهزة بالرشاشات والصواريخ، وكذلك الطائرات الحربية ومروحيات أباتشى الهجومية، فى سماء المنطقة وتدمر المساكن.
إن التصعيد الدراماتيكى للعنف فى الضفة الغربية قد طغت عليه الإبادة الجماعية فى غزة. لكن إذا تمكنت إسرائيل من إخلاء غزة، فإن الضفة الغربية ستكون المحطة التالية.
ويقول أبوسيف: «إن هدف إسرائيل لم يتغير.. إنها تسعى إلى تقليص عدد السكان الفلسطينيين، ومصادرة مساحات أكبر من الأراضى الفلسطينية وبناء المزيد من المستعمرات. وهى تسعى إلى تهويد فلسطين وتجريد الفلسطينيين من كل وسائل إعالة أنفسهم.. الهدف النهائى هو ضم الضفة الغربية».
خلاصة القول : إن المشروع الاستعمارى الاستيطانى اليهودى متغير، لكنه تغير شكلى لا علاقة له بالجوهر، الاختلاف فى تكتيكات القمع وحدته فقط. وخطاب الاحتلال الإسرائيلى عن السلام يخفى ورائه نوايا مظلمة. إن إسرائيل تمضى قدماً بمنطقها القاتل المنحرف العنصرى. ومع ذلك، فإن الفلسطينيين يتحملون ويرفضون الاستسلام، ويقاومون رغم الصعوبات الساحقة، متمسكين بحبات الأمل الصغيرة من آبار اليأس التى لا نهاية لها. هناك كلمة تصف هذا العمل «بطولى».
كريس هيدجز
موقع Consortium News
ترجمة وتلخيص: وفاء هانى عمر