نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل مقالا للكاتب رافييل أهرين، يوضح فيه أوجه التشابه والاختلاف بين الصراع الإسرائيلى لضم الضفة الغربية والصراع المغربى لضم إقليم الصحراء الغربية، ويوضح أيضا المخاطر الكامنة على إسرائيل وراء اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية... نعرض منه ما يلى.
الصحراء الغربية والضفة الغربية منطقتان وعرتان يطالب بها السكان الأصليون لكنهما تحكمهما دولتان عضوان فى الأمم المتحدة. كلاهما موضوع قرارات لا حصر لها للأمم المتحدة، وإدانات دولية، وخطط سلام بوساطة أمريكية. ناهيك عن أن كلاهما يحمل اسم «الغرب».
وعلى الرغم من أن الصحراء الغربية والضفة الغربية على بعد آلاف الأميال من بعضهما البعض، وموضوع النزاع مختلف تمامًا، إلا أنه يبدو أن هناك بعض أوجه التشابه بينهما. وفى الوقت نفسه، هناك اختلافات جوهرية بين المنطقتين، سواء من حيث تاريخهما أو من حيث نظرة المجتمع الدولى لهما.
ارتبط الاثنان بشكل مصيرى عندما اعترفت إدارة ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، مقابل موافقة المغرب على إعادة العلاقات مع إسرائيل.
ولكن فى حين يرى البعض أن أوجه التشابه قد تنذر بخطوة مماثلة لخطة إسرائيل المعلقة حاليًا لضم الضفة الغربية، يشير آخرون إلى أن اعتراف واشنطن بمطالب المغرب بالمنطقة قد يكون له تداعيات سلبية ليست فى صالح إسرائيل إطلاقا.
***
كانت الضفة الغربية جزءًا من الانتداب البريطانى على فلسطين منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية وحتى مغادرة القوات البريطانية عام 1948. وكانت تحت سيطرة الأردن حتى احتلتها إسرائيل عام 1967. هذا الضم لم يعترف به المجتمع الدولى.
الصحراء الغربية، من جهة أخرى، ضمها المغرب رسميًا ــ ثلثاها فى عام 1976 والثلث الأخير فى عام 1979 ــ بعد فترة وجيزة من انسحاب إسبانيا منها، وكانت موطنًا لقبائل العرب الرحل المعروفة باسم الصحراويين.
عندما انسحبت إسبانيا مما كان يعرف آنذاك بالصحراء الإسبانية، أعلنت جبهة البوليساريو الصحراوية، المدعومة من الجزائر، الاستقلال. وعلى الرغم من أن ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ليست دولة عضوا فى الأمم المتحدة، إلا أنها معترف بها من قبل العديد من الدول وهى عضو كامل العضوية فى الاتحاد الأفريقى.
كما وجد رأى غير ملزم من قبل محكمة العدل الدولية فى عام 1975 أن هناك بالفعل «روابط ولاء قانونية» بين المملكة وبعض القبائل التى تعيش فى الصحراء الغربية، لكنها لم تدعم مطالبة المملكة بالسيادة على الإقليم. وبدلا من ذلك، أصدرت المحكمة فتوى مفادها «مبدأ تقرير المصير من خلال التعبير الحر والصادق عن إرادة شعب الإقليم».
وبعد اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الإقليم، لم تعترف دولة واحدة رسميًا بذلك، على الرغم من أن بعض الدول العربية دعمت مزاعم الرباط.
وبالمثل، يرفض المجتمع الدولى بالإجماع تقريبًا الاعتراف بمطالب إسرائيل بالضفة الغربية، التى يقطنها حوالى 450 ألف مستوطن وأكثر من 2.5 مليون فلسطينى، مع اعتبار معظم الدول المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية. لكن إدارة ترامب خرقت الإجماع الدولى على كلا المنطقتين.
ففى نوفمبر 2019، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو فجأة أن المستوطنات «لا تتعارض فى حد ذاتها مع القانون الدولى»، وبعد بضعة أسابيع، قدمت الإدارة الأمريكية اقتراحها لخطة سلام إسرائيلية فلسطينية بموجبها أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لفرض السيادة على وادى الأردن بأكمله وجميع المستوطنات فى الضفة الغربية.
تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالقيام بذلك، لكنه علق الخطط من أجل تأمين علاقات دبلوماسية رائدة مع الإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى.
بينما فى حالة المغرب، فهى من وافقت على إعادة تأسيس علاقتها مع إسرائيل لتعزيز مطالبتها بضم الإقليم، واكتساب اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربية.
وأعلن ترامب فى 10 ديسمبر الجارى أن واشنطن تدعم من الآن فصاعدًا اقتراح المغرب «الجاد والموثوق والواقعى للحكم الذاتى باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على أراضى الصحراء الغربية».
وقال إن الدولة الصحراوية المستقلة «ليست خيارًا واقعيًا لحل النزاع»، قائلا إن «الحكم الذاتى الحقيقى تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن».
وبينما أشاد حلفاء المغرب بهذه الخطوة. إلا أن إسرائيل لم تتخذ، موقفًا رسميًا من مسألة الصحراء الغربية.
***
لم تطبق إسرائيل سيادتها على الضفة الغربية ومن غير المرجح أن تفعل ذلك فى المستقبل القريب، لأن مثل هذه الخطوة قد تعرض للخطر اتفاقيات التطبيع الأخيرة مع الإمارات العربية المتحدة ــ التى وافقت فقط على إقامة علاقات مع الدولة اليهودية بعد أن جمدت أراضيها محاولة الضم ــ واتفاقاتها مع البحرين والسودان والمغرب.
ولكن حتى لو أرادت ذلك، فالأمر ليس بهذه البساطة. حيث تعتبر الضفة الغربية رسميًا أرضًا محتلة، مما يعنى أن إسرائيل لا تستطيع تحقيق سيادتها على الأرض من جانب واحد!، كما أنها وافقت على تحديد الوضع النهائى للضفة الغربية من خلال المفاوضات.
المغرب، من ناحية أخرى، ضم الصحراء الغربية، لكن المجتمع الدولى لا يعتبرها أرضًا محتلة، بل هى «منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتى» محل نزاع.
وبالتالى، فإن إطار العمل المقبول من المجتمع الدولى لحل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى ينص على إنهاء «الاحتلال» الإسرائيلى وتنفيذ حل الدولتين الذى يؤدى إلى دولة فلسطينية ذات سيادة، بينما فى الصحراء الغربية، الحل المقبول هو إجراء استفتاء ليختار سكان الصحراء الغربية بين الاستقلال أو الوحدة مع المغرب.
***
هناك مخاطر على إسرائيل تكمن وراء تحرك ترامب من جانب واحد لمنح منطقة متنازع عليها لأحد الأطراف المتنازعة أيضًا.
فإذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تعلن ببساطة أن الصحراء الغربية جزء من المغرب، فما الذى يمنع الدول الأخرى من الاعتراف بدولة فلسطينية فى الضفة الغربية؟. لذلك الصراع مع الفلسطينيين يحتاج إلى حل من خلال مفاوضات ثنائية. فالتراجع عن آلية متفق عليها لحل النزاع لن يكون فى مصلحة إسرائيل.
من جانبه، أعرب إليوت إنجل، رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب، عن قلقه من أن إعلان ترامب عن المغرب «يدمر عملية الأمم المتحدة الموثوقة والمدعومة دوليًا لمعالجة النزاع الإقليمى حول الصحراء الغربية».
وقال فى بيان: «إن تنحية السبل الشرعية، المتعددة الأطراف لحل النزاعات، جانبا لا تؤدى إلا إلى تمكين دول مثل روسيا والصين من مواصلة تجاهل القواعد والأعراف الدولية، ومكافأة أولئك الذين ينتهكون الحدود وحقوق الشعوب الحرة».
كذلك أبدى مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق جون بولتون، الذى كان داعمًا لخطة إسرائيل لضم الضفة الغربية واعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، قلقه من أن تشكل مقايضة ترامب سابقة خطيرة تقلب موازين المعاملات السياسية.
وأضاف: «من الجيد أن تعدل واشنطن سياساتها فى ضوء تغير ظروف الأمن القومى، لكن تدمير التزام بدون مبرر، وبدون استشارة، لمجرد عقد ما يسمى صفقة، هو أمر آخر تمامًا» كتب ذلك فى مجلة فورين بوليسى، داعيا الإدارة القادمة إلى التراجع عن الاعتراف.
يختتم الكاتب مقاله قائلا: «ليس لدى إسرائيل ما تخشاه من قيام جو بايدن بإلغاء الاعتراف، لأن المغرب «ليس قلقًا على استقرار النظام الملكى بسبب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع إسرائيل».
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى