التباسات العلاقة العربية - التركية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التباسات العلاقة العربية - التركية

نشر فى : الأربعاء 22 يناير 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 يناير 2020 - 9:55 م
نشر موقع مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب محمد سيد رصاص تحدث فيه عن التطور التاريخى للعلاقة بين تركيا والدول العربية بدءا من الارتباط بتركيا (كما راهنت مصر عليها لتخلصها من الاحتلال البريطانى) إلى الانفصال نتيجة وصول مصطفى كمال أتاتورك للحكم واهتمامه بالنزعة القومية التركية وتحالفه مع المعسكر الغربى والأمريكى، ونعرض منه ما يلى:

فى كِتاب «خلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر الهجرى» لابن فضل الله المحبى الدمشقى هناك تعامل مع الدولة العثمانية بوصفها «دولة الإسلام والإيمان»، وفى المقابل يتم وصف أعدائها الأوروبيين بـ«الكفار»، وهو ما نجد مثيلا له فى كِتاب «لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادى عشر الهجرى» لنجم الدين الغزى الدمشقى الذى يصف أعداء السلطنة من النمساويين بـ«الكفار» و«النصارى» مع وصف انتصارات العثمانيين بـ«الفتح».

فى القرن التاسع عشر الميلادى نجد حالة عربية موازية لما عند المحبى الدمشقى والغزى الدمشقى، وهُما قد قاما بتأريخ القرن السابع عشر الميلادى، عند الشيخ محمد عبده فى كِتاباته فى مجلة «العروة الوثقى»، التى أصدرها مع جمال الدين الأفغانى فى باريس فى عامَى 1884 ــ 1885، من حيث الموقف التأييدى الذى أبدته المجلة تجاه العثمانيين مع مُراهنة عند صاحبَيها على أن تقوم السلطنة بقيادة الجهاد الإسلامى ضد البريطانيين فى مصر، وهو ما نلاحظه لاحقا عند مصطفى كامل زعيم (الحزب الوطنى) فى مصر وعند الخديوى عباس حلمى (1892 ــ 1914).

فى كِتاب محمد محمد حسين: «الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر» ثمة توثيق لمدى تأييد المصريين للعثمانيين ومُراهنتهم عليهم ضد البريطانيين فى فترة ما بعد احتلال العام 1882، فيما نجد فى كِتاب وجيه كوثرانى: «بلاد الشام فى مطلع القرن العشرين» (1984) وثائق صادرة عن القناصل الأجانب، وغيرهم فى بلاد الشام، ترصد مدى التأييد للعثمانيين فى أوساط العرب السنة هناك قُبيل نشوب الحرب العالَمية الأولى، بحيث نجد مثلا فى رسالة نائب قنصل فرنسا فى طرابلس الشام فى العام 1912 العبارة التالية: «الانتماء الدينى يبقى غالبا لدى العربى ــ المُسلم، وإن المَوقف من الدولة العثمانية ارتباطا أو انفصالا يتوقف على مدى صمود هذه الأخيرة...».

هنا، يُمكن لعبارة نائب القنصل الفرنسى أن تكون تنبُّئِيَّة بـ«الثورة العربية الكبرى» فى العام 1916 ضد العثمانيين، لما أحس بعض العرب بأن المركب العثمانى فى حالة غرق، ولكن العبارة أيضا هى التى تُفسر بقاء الجسم العربى ــ المُسلم بغالبيته الاجتماعية مع العثمانيين فى بلاد الشام والعراق حتى لحظة الانهيار العثمانى فى العام 1918. طبعا، تلك العبارة لا تحيط بكل الصورة التى تتضمن أيضا وقوف حركات دينية فكرية ــ سياسية عند مُسلمين عرب ضد العثمانيين مثل الحركة الوهابية فى الجزيرة العربية فى القرنَين الثامن والتاسع عشر الميلاديَين. يُمكن أيضا لتلك العبارة الصادرة عن نائب القنصل الفرنسى أن تفسِر حالة ما زالت مستمرة عند الكثير من الأتراك حتى الآن تصف ما فعلته «الثورة العربية الكبرى» بأنها كانت «طعنة فى الظهر».

فى هذا الصدد، لم تصعد «العروبة» وتتصدر كاتجاه فكريــ سياسى عند العرب إلا عندما أحس العرب بأن الأتراك قد ذهبوا بعيدا فى اتجاههم القومى التركى، وبأن تخليهم عن الرابطة الإسلامية، الذى أخذ فى العام 1924 شكل إلغاء للخلافة الإسلامية، قد كان مُقترِنا بالنزعة القومية التركية عند مصطفى كمال أتاتورك. العروبة لم تكُن اتجاها غالبا عند العرب فى فترة العثمانيين بل فى مرحلة ما بعد العثمانيين، وهى رد فعل على الطلاق الأتاتوركى، ومن المُمكن هنا ملاحظة توازى العداء لـ «العروبة» و«الأتاتوركية» عند أولى حركات الإسلام السياسى، أى «جماعة الإخوان المُسلمين»، التى لا ينكر مؤسِسها حسن البنا فى مذكراته بأن تأسيسها فى العام 1928 كان فى أحد أسبابه رد فعل على قرار أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية.

بين العروبة وتركيا الأتاتوركية
هنا، كانت العلاقة صدامية بين «العروبة» و«تركية الأتاتوركية» من خلال أطماع الأخيرة فى الموصل ولواء الإسكندرون، ومن خلال انضمام تركيا لحلف الأطلسى وللمُعسكر الغربى الأوروبى ــ الأميركى الذى اصطدم فى الخمسينيات والستينيات بالمد العروبى الذى مثلته الحركة الناصرية التى تحالفت مع الاتحاد السوفيتى، وعندما فكر رئيس وزراء الكيان الإسرائيلى دافيد بن جوريون، أواخر الخمسينيات، بتحالُفات إقليمية ضد الرئيس جمال عبدالناصر، فإن أنقرة كانت فى القائمة بالتوازى مع طهران وأديس أبابا.

يجب التوقف قليلا الآن: مع ضعف العرب الذى بدأ إثر هزيمة يونيو 1967 واكتمل مع الاحتلال الأميركى للعراق فى العام 2003، كان هناك ظاهرة لافِتة فى إقليم الشرق الأوسط وهى أن مَن قام بملء فراغ القوة العربية كان فى تلك الدول الثلاث التى فكر بها بن جوريون: إيران الخمينى ــ الخامنئى، وتركية الأردوغانية، ثم إثيوبيا، وهى لم تُصبح دُولا ذات فاعلية أكبر فى الإقليم فحسب، بل غدت أيضا دُولا تلعب فى الدواخل العربية وأحيانا تتحكم ببعضها (العراق واليمن الآن من قبل طهران على سبيل المثال).

على هذا الصعيد، كانت الظاهرة الأردوغانية لافتة للنظر: حركة من حركات الإسلام السياسى المرتبطة بجماعة الإخوان المُسلمين تمزج القومية التركية مع الإسلام وتقوم بنزع الأتاتوركية تدريجيا بفترة تتراوح بين عامَى 2002 و2009 من الدولة والمجتمع التركيَين، وهى تحمل طلاقا واتجاها مُعاكسا للاتجاه الأتاتوركى التركى نحو الغرب من خلال اتجاه جديد هو أقرب إلى «العثمانية الجديدة» نحو الجنوب الإسلامى العربى. ارتاح بعض العرب لهذا الاتجاه الأردوغانى عندما تُرجم بتقاربات مع سوريا فى فترة 2004 ــ2011، التى جاءت مُعاكسة لتوترات دامت ثمانين عاما بين دمشق وأنقرة، وبمَواقف تركية ضد إسرائيل فى حرب غزة 2008 ــ 2009. بدأ الصدام بين تركية الأردوغانية والكثير من العرب فى دمشق ما بعد صيف 2011، ومع القاهرة ما بعد 3 يوليو 2013، ومع الرياض وأبو ظبى فى العام 2017، وذلك عندما ظَهَرَ جليا التلازُم العضوى بين رجب طيب أردوغان وحزبه مع حركات الإسلام السياسى فى العالَم العربى ومحاولة أنقرة استخدامها لمُمارسة التأثير الإقليمى عبر اللعب بالدواخل العربية كما جرى فى سوريا منذ خريف2011، وفى اليمن ما بعد 20 سبتمبر 2014، وفى ليبيا ما بعد 2015، فيما كان مُلفتا التحالف التركى مع الدولة القَطَرية مع نشوب الخلاف الخليجى مع الدوحة فى صيف العام2017.

كملخص تركيزى: كانت المراحل الثلاث الانعطافية للعلاقة العربية – التركية: 1916و 1924، ووصول حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان للسلطة التركية فى العام 2002، مليئة بالالتباسات الصدامية بين طرفَى هذه العلاقة، وقد ازدادت الغيوم بالتتابع الزمنى فى سماء هذه العلاقة، وكان هناك أمل بأن تنقشع هذه الغيوم باتجاه صفاء الجو التركي ــ العربى مع أردوغان عبر باب دمشق 2004 ــ 2011 وعبر باب الرياض 2015، ولكنْ سرعان ما ظهر العكس.

فى المُجابهة اللفظية بين أردوغان وشمعون بيريز فى مؤتمر دافوس 2009، ومن ثم مع حصول حادثة السفن التركية المتجهة لكسر حصار غزة فى العام 2010، وصلت شعبية أردوغان إلى أوجها عند العرب، ولكن سرعان ما تبدد ذلك فى العام 2011، وما بعده، عندما بان الزعيم التركى أسيرا لانحيازاته الأيديولوجية، وأنه ينظر للعواصم العربية من خلال نظارات «الإسلام السياسى»، وأنه لا يُمارس البراجماتية السياسية مع العواصم العربية كالتى مارسها مع فلاديمير بوتين فى علاقتهما الثنائية منذ أغسطس 2016، ولا تلك البراعة السياسية التى هى عند أردوغان التى جعلت بوتين ودونالد ترامب يجتمعان على فيتو واحد فى مجلس الأمن ضد مشروع قرار فرنسى يدين الغزو التركى للشمال الشرقى السورى يوم 9 أكتوبر2019.

الآن: عند العرب علاقات مُلتبسة مع الجيران الأتراك والإيرانيين والأفارقة، تُضاف إلى التباسات العلاقة مع الغرب الأوروبى ــ الأمريكى.
التعليقات