«الحرية الدينية فى الإسلام».. اجتهاد جرىء مبكر! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:10 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الحرية الدينية فى الإسلام».. اجتهاد جرىء مبكر!

نشر فى : الجمعة 22 فبراير 2019 - 11:45 م | آخر تحديث : الجمعة 22 فبراير 2019 - 11:45 م

«الحرية الدينية فى الإسلام» واحد من الكتب «الذهبية» التى تركها الأزهرى المستنير، الشيخ عبدالمتعال الصعيدى. أعلم أن قليلين قرأوا إنتاج هذا الرجل، وأقل منهم من يعرفون عنه وعن سيرته شيئا، رغم أن الشيخ الصعيدى واحد من المغردين خارج السرب، والمفكرين خارج الدوائر المغلقة، يعده كثيرون من القامات الفكرية المعتبرة واحدا من نخبة جليلة كريمة تخرجت فى الأزهر، وقدمت اجتهاداتها وزبدة أفكارها فى قضايا «تجديد الخطاب الدينى» و«إصلاح الأزهر» والنظر فى «مأزقنا الحضارى»، بروح سمحة وعقل منفتح وعلم وافر غزيز ورؤية ثائرة على الأطر التقليدية للتفكير؛ نخبة راد طريقها واستهل رؤيتها الإصلاحية الشيخ الإمام محمد عبده، والشيخ مصطفى عبدالرازق، وأخوه العلامة على عبدالرازق، والشيخ المراغى، والشيخ محمود شلتوت، ومن بعدهم الشيخ محمد أبو زهرة صاحب المصنفات المعتبرة، وأستاذ الشريعة والقانون الدكتور محمد يوسف موسى، وآخرون طُمرت أسماؤهم وتوارى منجزهم تحت ركام الجهل المتوارث وإعلاء التقليد ونبذ التجديد، واجترار الماضى.. ولا عزاء للتجديد والمجددين.
راد الشيخ عبدالمتعال الصعيدى (1895 ــ 1971)، طريقا وعرا داخل المؤسسة الأزهرية العريقة التى انتمى إليها وتخرج فيها وتمرد عليها أيضا! كان أستاذا للبلاغة بكلية اللغة العربية فى جامعة الأزهر، وعضو مجمع اللغة العربية، له أكثر من 50 مؤلفا نصفها فى علوم اللغة والبلاغة، والنصف الآخر فى مباحث مختلفة من الفكر والفقه والتاريخ الإسلامى، من أهمها: «القضايا الكبرى فى الإسلام»، و«المجددون فى الإسلام»، «ولماذا أنا مسلم؟»، وغيرها من الكتب التى عالج فيها قضايا شائكة بنهج إصلاحى وطرح اجتهادى تجديدى جرىء قائم على إعادة النظر فى تراثنا والتقليب فى تربة الأحكام الفقهية المتوارثة، وتأسيس منهج مختلف فى التناول والاستدلال فى استنباط الأحكام.
من كتبه المهمة الخطيرة التى قرأتها له باهتمام وتمعن، كتابه «الحرية الدينية فى الإسلام»، الذى صدرت منه طبعة جديدة عن دار المعارف المصرية، وهو من أجل كتبه وأخطرها، على صغر حجمه، وقلة عدد صفحاته، جنبا إلى جنب كتابه الآخر الفريد «حرية الفكر فى الإسلام»، وهو الذى عرض فيه لموقف الدين من الحريات بأنواعها العلمية، والسياسية، والدينية، مبينا أن الاسلام كفل هذا الحريات للإنسان، فقد ميزه بالأمانة أى العقل دون بقية المخلوقات لكى يستخدمه فى التفكير والبحث، وإذا أهمل الانسان فى استخدام العقل، لم يكن هناك معنى لخلقه فينا، و«الله سبحانه وتعالى منزه عن العبث» (سأعود إلى هذا الكتاب المهم فى مقال لاحق).
طبع كتاب «الحرية الدينية فى الإسلام» لأول مرة عام 1955، وعد من وقتها من أهم مصنفات الشيخ عبدالمتعال الصعيدى، ويرجع ذلك إلى مضمونه الذى يحوى جوهر مشروعه والذى جاهد فيه لتفعيل واستمرارية فتح باب الاجتهاد، وتجديد علم أصول العقيدة، وتحديث آليات الدعوة، والمواجهة والنقد، فضلا عن جدَة وأهمية القضايا والموضوعات التى تناولها، وهى: تجديد فقه الحدود، والحكم على المُرْتَد، تلك القضية التى ما زالت أصداؤها تتردد فى كتابات المحافظين والمجدِدين على حد سواء.
يتناول الصعيدى مفهوم «الحرية الدينية فى الإسلام» بِنَفَس عالم طويل، مطلع، محيط بدقائق المسائل وتفاصيل التفاصيل فى مدونات الفقه والتاريخ والعلوم الإسلامية النقلية (التفسير والحديث والعقائد.. إلخ)، وهو قوى النظر جرىء الطرح فيما يرى من رأى أو يجتهد فى اجتهاد، مدعما طرحه واجتهاده بأسانيد نقلية وحجج عقلية.
«الحرية الدينية فى الإسلام»، مع صنوه «حرية الفكر فى الإسلام»، سياحة عقلية وفقهية ممتعة وشاحذة للتفكير والنظر والتأمل ومناقشة الآراء القديمة منها والحديثة ومعارضتها والترجيح من بينها ليصل المؤلف منها إلى ما ارتضاه له بحثه العميق من «إثبات الحرية الدينية للمرتد عن الإسلام، وأن الحرية الدينية فى الإسلام مطلقة لا تقييد فيها، وخالصة لا شائبة تكدرها، وليكون له بها فضل السبق على مشرعى عصرنا فيما شرعوه من حرية الاعتقاد فى دساتيرهم الحديثة، وهو فضل للإسلام عظيم الشأن فى هذا الزمان»..
وما أحوجنا إلى الشيخ الصعيدى، وأمثاله الآن، فى زمن العجب الذى نتقلب فيه بين جهاله وسفهائه..