كما كان متوقعًا لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام حق النقض «الفيتو» ضد مشروع القرار الجزائرى، الذى حظى بدعم واسع عربيًا ودوليًا، لمنح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، لكن مشروع القرار حصل على تأييد 12 دولة، هى: «الصين وروسيا وفرنسا وسلوفينيا ومالطا والإكوادور وغويانا واليابان وكوريا الجنوبية وموزمبيق وسيراليون والجزائر»، بينما امتنعت كل من بريطانيا وسويسرا عن التصويت.
هذا التأييد الواسع لمشروع القرار أظهر إلى أى مدى تقف واشنطن وبشكل سافر إلى جوار إسرائيل على الرغم من عزلتها الدولية ردًا على عدوانها الوحشى على قطاع غزة، وربما يكون كلام مندوب الجزائر فى الأمم المتحدة عمار بن جامع على اتجاهات التصويت داخل مجلس الأمن، خير تعليق حينما أشار إلى أن الدعم «الساحق» من أعضاء المجلس «يوجه رسالة واضحة جدًا: دولة فلسطين تستحق مكانتها بين الأمم».
التصويت غير المكتمل على مشروع القرار الذى قدّمته الجزائر، والذى «يوصى الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوًا فى الأمم المتّحدة» لن يكون نهاية المطاف فى رحلة طويلة داخل الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية، بعد أن تحدثت المجموعة العربية عن التوجه إلى الجمعية العام لكسب مزيد من الزخم والبناء على التأييد الواسع داخل مجلس الأمن على الرغم من الفيتو الأمريكى.
نعم الجمعية العامة لا يمكنها منح العضوية الكاملة إذا لم يتم التصويت بأغلبية 9 أصوات من بين 15 عضوًا داخل مجلس الأمن الدولى شريطة عدم استخدام «الفيتو» من الدول الخمس دائمة العضوية فى المجلس، غير أن استمرار السعى وبذل المزيد من الجهود العربية لكسب المزيد من التأييد للدولة الفلسطينية يستحق المحاولة تلو الأخرى، خاصة إذا علمنا أن 137 دولة من الدول الأعضاء فى الأمم المتّحدة، البالغ عددها 193 دولة تعترف بدولة فلسطين.
ستظل الولايات المتحدة تقف حجر عثرة أمام أى جهود تبذل لصالح الدولة الفلسطينية المستقلة، على الرغم من حديثها الزائف عن حل الدولتين، فهى فى الظاهر والباطن تعمل لصالح الكيان الصهيونى، انطلاقًا من التحالف الأبدى مع إسرائيل، ومنحها كل ألوان الدعم والمساندة لضمان تفوقها العسكرى على جيرانها ومن أجل فرض هيمنتها على المنطقة، ولعل ما يجرى على الساحة فى الوقت الراهن خير دليل.
ووفقًا لما دار فى الكواليس التى سبقت استخدام واشنطن الفيتو ضد حصول فلسطين على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، فقد مارست الولايات المتحدة العديد من الضغوط على الدول الأعضاء فى مجلس الأمن لمنع تصويتهم لصالح مشروع القرار الذى تقدمت به الجزائر، وأشارت عدة تقارير إلى قيام إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن بالضغط على فرنسا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وغويانا، إما للتصويت ضد القرار، أو الامتناع عن التصويت، لكن خاب مسعاها، وصوتت تلك الدول لصالح القرار.
الموقف الأمريكى استهدف، حسبما نقله موقع الأمم المتحدة عن السفير الروسى لدى المنظمة الأممية، فاسيلى نيبينزيا «كسر إرادة الفلسطينيين لإجبارهم دفعة واحدة وإلى الأبد، على الخضوع لقوة الاحتلال، وتحويلهم إلى خدم وأشخاص من الدرجة الثانية»، مشيرًا إلى أن واشنطن نفسها ستخرج نهائيًا من قائمة الدول المحبة للسلام والمحترمة. بعد أن تقاسمت المسئولية الكاملة مع حلفائها الإسرائيليين عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
المندوب الصينى فو كونغ بدوره وصف ما جرى داخل مجلس الأمن بـ«اليوم الحزين»، معربا عن «خيبة» الأمل من الموقف الأمريكى، لأنه «يحطم حلم الشعب الفلسطينى».
هذا التعاطف الدولى الواسع مع الشعب الفلسطينى الذى يقابل دائمًا بالتعنت الأمريكى، سيجد طريقه، يومًا ما، لتحقيق آمال الفلسطينيين، فى الحرية وبناء دولتهم المستقلة، شريطة تمسكهم بالأرض، ورفض الظلم الواقع عليهم، ومن قبل ومن بعد ضرورة توحيد إرادتهم الوطنية تحت راية واحدة تسمى «فلسطين» منعًا للحجج والمبررات، التى تتخذ من انقسامهم ذريعة لسلب حقوقهم.