ما كان يجب أن تفاجئنا، مسئولين وشعبا، الأحداث الأخيرة فى سيناء وعلى حدودنا الشرقية، فمصر تتعرض منذ شهور لحرب متعددة الأنواع والأشكال. هدف هذه الحرب هو الاستيلاء على بوصلة الثورة المصرية وإعادة مغنطتها ليتجه مؤشرها فى اتجاه معين يخدم مصالح أخرى غير مصالح مصر. يشترك فى الحرب ضد الثورة مصريون لا يريدون لاقتصاد مصر أن يتغير لفائدة عدد أكبر من الناس. وآخرون لا يريدون لسياسة مصر الخارجية أن تتحرر من قيود علاقات غير متوازنة مع الولايات المتحدة وزبائنها فى المنطقة العربية. وتقف محايدة جماعة من المصريين من الذين نشأوا أو نضجوا على امتداد عقود بل قرون، على قاعدة أن سيناء أرض تيه غير جائز لأهل الوادى الخصيب تعميرها والعيش فيها. كانت أرض مرور وليست أرض إقامة منذ نزلت على النبى موسى ألواح الوصايا العشر إلى أن نزلت عليها ألواح كامب دافيد واتفاقية الصلح لتؤكد هذا المعنى وتعيد غرسه فى أعماقهم. وبين الصفوف يقف مصريون عديدون تدعمهم قوى لا يستهان بها فى الخارج أجبرهم الضنك والجهل والمرض على القبول بالأمر الواقع ولا يعرفون غيره وسيلة للعيش.
هؤلاء جميعا ليسوا مرتاحين لظاهرة ثورة مصرية هدفها التغيير على عكس ملايين عدة تحلم بهذا التغيير ومستعدة للتضحية من أجله وأعداد غفيرة هجرت أزقة السلبية وراحت تستوطن ميادين العمل الإيجابى وتمارس الاستقلال السياسى والفعل الصادق والرأى الحر.
أعرف، ويعرف كثيرون، أن هذه الطاقة الوطنية الهائلة لن تساوى قيمة ما تستحق فى حسابات القوة الدولية والإقليمية ولدى المصالح المناهضة لمصر إلا بقدر نجاحها فى إفراز قيادة من داخلها تقودها أو نجاحها فى فرض أفكارها وأحلامها على قوة داخلية تتبناها وتتحمل مسئولية قيادتها.
لا يشك عاقل فى قدرة جيش مصر على الدفاع عن أراضيها وحدودها بما فيها سيناء كاملة، كما أنه لا يشك أحد من أبناء جيل ناهض ومندفع فى أن هذه القدرة تتضاعف إذا استطاع هذا الجيش نفسه توظيف الثورة الناشبة فى مصر صفا وراء صف لتسند ظهره. لا أسهل عليه من أن يطلب من هذه الجموع الثائرة، أو على الأقل عدم التعرض لها إن هى عزمت وقررت، إطلاق سهامها الثورية فى اتجاهات شتى بالمنطقة لتحقيق أهداف مصر وسيادتها.
يدرك العارفون بظواهر السياسة الخارجية ودخائلها أن قدرة الدبلوماسية المصرية على رفع مكانة مصر الإقليمية والدولية وإسماع صوتها فى كل الأنحاء واستعادة الاحترام لها فى شوارع العرب والأفارقة تتضاعف إذا تبنت هذه الدبلوماسية روح الثورة وأعادت صياغة أهدافها وأساليبها وفقا للتحولات الحادثة فى الوطن. وإن فعلنا فلن نكون أول أمة وظفت ثورتها لخدمة أهدافها ولنشر أفكارها ومبادئها بين الأمم. هذا هو ما فعلته الأمة الفرنسية والأمة الروسية وفعلته وما زالت تفعله الأمة الأمريكية.
ما يحدث فى سيناء ليس ببعيد عن الذى يحدث فى مراكز ونجوع ومدن الوادى ضد الثورة. سيناء أخطر لأنها النقطة التى اختارها وكرسها أعداء مصر عبر التاريخ لتلعب دور البطن الرخوة. ولا حماية لسيناء أفضل من تفعيل الثورة فيها عسكريا وإداريا واقتصاديا وتثوير العمل الدبلوماسى المتعلق بأمنها وسيادة مصر عليها.