«د/ منى الإنسانة الخلوقة الصافية بعيدا عن أى مناصب، كانت تحمل الكراتين بنفسها ونحن نزور دور الأيتام، وكانت أبر الناس بوالديها حتى قالت بعد وفاة والدها كيف سأعيش بعد والدى فماتت بعده بشهرين»، هكذا وصفها زميلها أ.د/ علاء عرفات الأستاذ بصيدلة أسيوط.
أما صديقتها أ.د/ مديحة درويش عميد طب بيطرى أسيوط فقالت عنها «متواضعة للغاية سيرتها عطرة مع الجميع، لم يقصدها أحد إلا ولبت النداء، تشعر أنها معنا كأنها زميلة، صديقة، أخت، أم، ابنة، طفلة صغيرة، هى رائدة من رواد الخير وهى أنشط إنسانة رأيتها فى حياتى وكلها عطف ورفق وحنان».
ووصفها آخرون بقولهم «إحدى جواهر التاج المصرى المتلألأ» أو «صاحبة العطاء بلا حدود» «الأكثر تسامحا ورفقا» أو «شهيدة الكورونا» و«راعية الصيدلة الإكلينيكية» و«أحد الرموز النادرة فى بر الوالدين وصلة الرحم».
فقد كانت تذهب يوميا لوالديها وتخدمهما وكل من كان يطلبها يجدها معظم الوقت عندهما، وعندما توفى شقيقها العقيد/ محمد المهدى وهبت جزءًا من ثروتها كدار أيتام على روحه، وأشرفت عليها شخصيا دون أن تطلب تبرعا من أحد أو تعلم بها أحدا، وحينما مات والدها كأنها ماتت بموته، ولحقت به فعلا بعد شهرين بعد أن ظلت تخدمه فى مرضه بكل جوارحها.
وهى من القلائل فى تاريخ مصر التى حصلت على 437 جائزة وشهادة تقدير محلية وعالمية، وهى الحاصلة على جائزة البحث الأول لعلاج السرطان من جامعة طوكيو باليابان على مستوى 3000 بحث عالمى ورفضت بيعه من أجل علاج السرطان فى مصر وتم تسجيله كبراءة اختراع.
وهى حاصلة على جائزة السلام من السفارة السويدية على مستوى ألف سيدة فى العالم، وهى عضو منظمة الصحة العالمية، وهى تجيد العربية والإنجليزية والفرنسية واليابانية ودرست الروسية قبل وفاتها فى همة وعزيمة أقوى من الجبال.
وهى الرائدة على مستوى الصعيد كله فى الإدارة والإشراف على القوافل الطبية المجانية وصاحبتها كلها إلى مئات النجوع والقرى الفقيرة فى محافظات أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان والوادى الجديد، حتى بلغ مجموع هذه القوافل 452 قافلة وكانت دوما معها وعلى رأسها ولم تتقاض مليما واحدا على ذلك وهذا قربها من الفقراء واليتامى فأحبتهم حبا لا يوصف وشعرت أنهم مسئوليتها الأولى.
وقد ساهمت فى رعاية المرضى الفقراء الذين يترددون على مستشفى أسيوط الجامعى، ثم طورت الفكرة مع زملائها وتلاميذها فى نقابة الصيادلة فدشنت ما يسمى «إفطار المرافقين للمرضى فى شهر رمضان، فقد لاحظت أن أقارب المرضى وأهاليهم من عدة محافظات يجلسون حول المستشفى الجامعى بأسيوط فرأت أنهم الأحق والأجدر بالإطعام فى رمضان، ونجح هذا المشروع نجاحا باهرا».
وكان زميلها د/ علاء عرفات يحضر أولاده وقت توزيع الطعام على أهالى المرضى فلما سألته عن ذلك قال: حتى يروا بأعينهم أن هناك فقراء لا يجدون المأوى والطعام، فيكفوا عن طلب الدليفرى ويشكرون الله على نعمه ويتعلموا الإحسان.
«ما رآها أحد إلا وأحبها» هكذا وصفتها تلميذتها د/ زينب أشرف ولخصت شخصيتها فى كلمة واحدة هى «العطاء»، فقد أعطت د/ منى محاضرات توعية فى القرى والنجوع والمدارس والشرطة والجيش والنوادى دون مقابل، وكانت تكفل الطلبة الفقراء وتبحث عنهم كما يبحثون عنها فيلتقى كل فريق بالآخر، لم ترد سائلا أبدا وخاصة من الطلاب، كانت تتحمل عنهم أخطاءهم وكما عبروا جميعا «تشيل المشكلة معنا لا أن تورطنا فيها».
وقد رغبت الدولة مؤخرا فى تعيينها فى مجلس الشعب فرفضت دون تزيد قائلة «أنا خلقنى الله أستاذة بالجامعة ولا أصلح إلا لذلك» وكانت تقدم صناعة الخير على المناصب والبرستيج، وكانت تقول لصديقاتها المقربات «إن مكاننا الحقيقى ليس على الأرض، إنه بعيد عن هنا، إنه فى مكان ليس فيه إلا الحب والرحمة» وكأنها تقصد الجنة، ولعلها الآن فى مكان الرحمة والحب.
درست لآلاف الطلبة، وأشرفت على 25 رسالة ماجستير ودكتوراه، أحبت طلابها جميعا واحتضنتهم بعطفها وعلمها ورفقها فكانوا لها نعم الأبناء المخلصين.
د/منى علم من أعلام الإنسانية والتدين الصحيح بمعناه الواسع وأحد رموز العلم الذى يحتضن الكرم والجود والتواضع والرفق وحب الناس، لم تضبط د/ منى تكره أحدا، أو تغضب من أحد، كانت سماحتها وعفوها أكبر من أخطاء وهفوات الآخرين.
كونت مع أسرتها ووالديها ومحبيها مؤسسة ضخمة للخير والمعروف والعلم تستثمر فى رصيد الآخرة الباقى.
وأبت الأقدار إلا أن تمنحها مع وسام العلم والرحمة وسام الشهادة «المبطون شهيد» «والمطعون شهيد» فقد مكثت قرابة شهرين فى العناية المركزة تكابد عذابات وآلام الكورونا حتى لقيت ربها راضية مرضية.
سلام على العلماء والشهداء سلام على د/ منى فى الأولين والآخرين، وخالص العزاء لأسرتها وخاصة ابنتيها د/ ريهام الجبالى مدرس الفسيولوجى، أ/ رغدة الجبالى، ولأحبتها وتلاميذها ومريديها فى كل مكان.