عصبة مناهضة التشهير Anti defamation league منظمة غير حكومية تأسست فى الولايات المتحدة عام 1913 على يد Sigmund Livingston اليهودى الذى هاجر مع أسرته إلى الولايات المتحدة من ألمانيا وهو فى التاسعة من عمره وعمل بالمحاماة فى مدينة شيكاغو. وعملت العصبة على التصدى لكل ما يسىء لليهود أو يميز ضدهم أو يزدريهم. انضمت العصبة إلى تنظيم أقدم موجود فى الولايات المتحدة منذ عام 1843 تعمل أيضا من أجل التصدى إلى التمييز ضد اليهود وهى منظمة rith ’B nai’B فوحدا جهودهما حتى صارت المنظمة تعرف بالاسم المركب عصبة مناهضة التشهير بناى بريث.
قد يسأل البعض لماذا تنشأ منظمة للدفاع عن اليهود فى الولايات المتحدة حيث اليهود مميزون ويتمتعون بنفوذ كبير فى المجتمع؟
إلا أن الأمر لم يكن كذلك دائما، فقد تعرض اليهود فى الولايات المتحدة لحملات كراهية شديدة كان أبرزها الأمر الذى أصدره الجنرال يوليسيس جرانت قائد القوات الشمالية فى الحرب الأهلية، الذى صار لاحقا رئيسا للولايات المتحدة، بطرد كل اليهود الموجودين فى المناطق التى تسيطر عليها قواته إلا أن الرئيس لينكولن تدخل وألغى الأمر. ومن أبرز حوادث العنف العنصرى ضد اليهود فى الولايات المتحدة اقتحام الدهماء السجن فى ولاية جورجيا وإخراج اليهودى ليو الذى أدين فى عام 1913 باغتصاب وقتل طفلة مسيحية وتم قتله وسحله وتعليق جثته على شجرة. وهى الكارثة التى حفزت سيجموند ليفينجستون على تأسيس عصبة مناهضة التشهير، وكانت المشاعر فى الولايات المتحدة معبأة ضد اليهود بما فى ذلك شخصيات قيادية فى المجتمع منهم الطيار تشارلز لندبرج أول من عبر المحيط الأطلسى وحيدا فى الطائرة فى عام 1927 والذى كان يعد أيقونة للبطولة لدى الأمريكيين وكان يجاهر بازدرائه لليهود، وكذلك رجل الصناعة الشهير هنرى فورد الذى اتهم اليهود أنهم السبب فى إشعال الحرب العالمية الأولى ومسئوليتهم عن الكساد الكبير الذى ساد عقب انهيار البورصة فى عام 1929 وهاجم مشروع روزفلت للخروج من الأزمة المعروف باسم New Deal بأنه تأثر بالضغوط اليهودية وأسمى المشروع Jew Deal كما كرس المجلة التى ينشرها The Dearborn Independent للهجوم على اليهود وتنشر من خلالها بروتوكولات حكماء صهيون، وفى الثلاثينيات اشتهر القس الأب كولينز Father Coughlin ببرنامجه الإذاعى واسع الانتشار الذى كرسه لمهاجمة اليهود. كما كانت مجلة Flag and Cross التى ينشرها Gerald Smith ناشطة فى شحذ النفوس ضد اليهود فى الأربعينيات وربط العديد من الأمريكيين بين اليهود والشيوعية، لأن عددا من الشيوعيين مثل كارل ماركس وليون تروتسكى كانوا من اليهود.
• • •
بدأت العصبة فى التصدى لكل قول يشهر باليهود وتفنيد الأساطير المسيئة لهم مع إلقاء الضوء على اليهود النابهين فى المجالات العامة من علوم وفنون وسياسة وإعلام، والتعريف باليهودى بأنه عنصر فعال ومبدع فى المجتمع جدير بالاحترام والتقدير لا للازدراء والتحقير؛ واستعانت هذه الصور بكوكبة من المتخصصين فى علم الاجتماع وعلم النفس وكان أبرزهم Edward Bernays وهو حفيد سيجموند فرويد مؤسس علم النفس. ويعتبر بيرنيز هو مؤسس علم الدعاية Propaganda سابقا الألمانى النازى جوبلز بسنين عديدة ومؤسس علم العلاقات العامة فى الولايات المتحدة واستخدمته وكالة المخابرات المركزية CIA فى تشويه صورة الأنظمة المعارضة للولايات المتحدة فى أمريكا اللاتينية، وله كتاب بعنوان هندسة الخنوع Engineering Consent. وبنهاية الحرب العالمية الثانية وتسليط الضوء على المحرقة وما حدث لليهود، أصبح معاداة اليهود مرادفا للفاشية والنازية التى حاربها الأمريكان وقتل أبنائهم فى الحرب ضدهم ثم نشأت دولة إسرائيل فى عام 1948 وبذلك طويت صفحة من تاريخ العصبة ركزت خلالها على حماية اليهود من الازدراء والاضطهاد والتشهير وهو عمل مشروع فى إطار حقوق الإنسان، وبدأت صفحة جديدة وتحولت إلى منظمة سياسية وبعد أن كانت عصبة لمناهضة التشهير ضد اليهود تحولت إلى منظمة للتشهير بكل من يبدى مجرد تحفظ على الصهيونية أو سياسات إسرائيل أو يؤيد حق الشعب الفلسطينى، وأصبحت كسيف ديموقليس المعلق بشعرة ليقع على عاتق من لا يسير فى ركابها وأصبح كل مرشح للكونجرس أو السينيت أو المناصب البلدية رهينة رضائهم وأصبح متاحا لأى شخص أن يحذر من قدرة الـ petrodollers المملوكة لدول البترول العربية على التأثير على الاستقرار الاقتصادى الدولى. لكن الويل والثبور وعظائم الأمور لمن يتحدث عن تأثير عائلة روتشيلد فى عالم المال والبنوك حتى وإن كان يجهل أصلا أنها يهودية!
ولقد رأينا مؤخرا حملة شعواء شنت على نجم هوليوود ميل جيبسون بعد أن ذكر شرطى أمريكى أنه تفوه بألفاظ معادية لليهود أثناء القبض عليه وهو يقود سيارته مخمورا. ومن قبله، تعرضت النجمة البريطانية Vanessa Redgrave لحملة ممنهجة أجهضت مسيرتها الفنية، كما تعرض المؤرخ والفيلسوف الفرنسى روجيه جارودى للسجن لمجرد أنه شكك فى عدد ضحايا الهولوكوست. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية بأكثر من ثلاثين سنة اتهموا كورت فالدهايم الذى صار أمينا عاما للأمم المتحدة ثم رئيسا لجمهورية النمسا بأنه معاد للسامية لأنه خدم فى الجيش الألمانى بدرجة نفر فى الحرب!
• • •
بعد مراجعة تاريخ عصبة مناهضة التمييز ورغم اختلافنا معها سياسيا وأخلاقيا وعقائديا إلا أنه لا يمكن إنكار أنها حققت أهدافها بنجاح يدعو إلى الإعجاب والدهشة على قدرتها ــ من خلال الدراسة والعلم ــ على تغيير الرأى العام وتكريسه لصالحها.
جعلنى ذلك أتأمل الأحوال السائدة فى بلدنا وأتساءل إن كنا فى مصر نحتاج إلى عصبة لمناهضة التشهير بعد أن تعرض تاريخنا ورموزنا وشخصياتنا ومؤسساتنا لعملية تشهير وتشويه ممنهج لكنه للأسف بأيدينا وبأنفسنا؟. ولعله من المهم فى البداية التأكيد على الفرق بين النقد البناء لكشف السلبيات لعلاجها وبين التشهير والتشويه والسخرية.
إن أول ما يتبادر إلى ذهنى برنامج يعده ثلاثة من الشباب المستظرفين تناول المدارس المصرية ومقارنتها بالمدارس الألمانية. فانتقل إلى ألمانيا ليسأل الألمان عن أمور يرونها طبيعية فى المدارس المصرية من بيع الامتحانات للتلاميذ إلى القفز من سور المدرسة ولم يتركوا نقيصة لم يرموا بها المدارس المصرية وسط ضحكاتهم البلهاء، والبرنامج هو حلقة فى سلسلة الإساءة للمدرسة المصرية منذ مدرسة المشاغبين.
مطربة شابة بنت بلد لم تجد غضاضة فى حفلة خارج مصر أن تقف أمام الجمهور تقول إنها لا تشرب من نيل مصر حتى لا تصاب بالبلهارسيا!. وسلسلة أفلام أساءت إساءة بالغة للشرطة وأجهزة الأمن آخرها هى فوضى، وزوجة رجل مهم وقبلها الكرنك واحنا بتوع الأوتوبيس والبرىء. وفيلم مثل ضد الحكومة فيه إساءة للمحاماة، وسرقة كلية نور الشريف فى فيلم الحقونا يُشهِّر بالطب. فى مصر المناخ الاستثمارى ومجال الأعمال يعرض رجال الأعمال على أنهم لا يجتمعون إلا حول الخمر والمخدرات والراقصات، ولا همَّ لهم سوى تقديم الرشا والبرطال وإفساد الموظفين. حتى الإنجازات التى نفتخر بها مثل تأميم قناة السويس والسد العالى والصناعات الثقيلة لم تسلم من التشهير، وقد تعرض المهندس عزيز صدقى الذى كان له فضل كبير فى تصنيع مصر لحملة تشويه ممنهجة، فضلا عن الأزهر وشيوخه حتى لم يبقَ رمز فى مصر بعيدا عن التشهير والتشويه.
هذا ليس دعوة لتكميم الأفواه وقصف الأقلام ومنع النقد ومواجهة السلبيات لكنها دعوة لوضع ضوابط لنقد محترم بعيدا عن التشهير والتشكيك والسخرية والتسفيه ليحفظ للأجيال الناشئة اعتزازها وفخرها بمؤسساتها ورموزها الوطنية والتقدير لتاريخ بلادها. أخذا فى الاعتبار أننا نعيش فى منطقة تدَّعى كل بلادها الكمال ولا تسمح بكشف أى سلبيات فيها وكانت تنظر إلى مصر كالمثال والنموذج الجدير بالقيادة وللأسف بدأت هذه النظرة فى التآكل إن لم تكن قد تآكلت تماما وللأسف كان هذا بسبب تشهيرنا وتشويهنا لأنفسنا.
عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية