نشر المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية مقالا لإيزابيلا أنتينوزى تناولت فيه استمرار الخلافات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى بعد البريكست، وتقترح فيه تركيز الطرفين على مجالات الأمن والدفاع أسوة بنموذج العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبى... نعرض منه ما يلى: بالنسبة لشىء من المفترض أن يكون انتهى، لا يزال موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى يحتل العناوين الرئيسية. تواصل لندن وبروكسل الخلاف حول قضايا عدة مثل التمثيل الدبلوماسى وصادرات لقاح فيروس كورونا والترتيبات الجديدة لأيرلندا الشمالية. بالنسبة للمملكة المتحدة، هذه الخلافات تهدد مصالح لندن على المدى البعيد. قال رئيس الوزراء الكندى بيير ترودو ذات مرة للولايات المتحدة جارته «العيش بجانبك» يشبه إلى حد ما النوم مع فيل؛ مهما كان الفيل ودودا ومزاجه جيدا، إلا أن النائم بجواره يتأثر بكل نخرة ونفضة. الاتحاد الأوروبى هو ذاك الفيل بالنسبة لبريطانيا، وإن كان مزاجه غير معتدل. تحتاج بريطانيا إلى التعاون مع هذا الفيل لتستطيع النوم بجواره بهدوء. وبذلك، تعد الطريقة الوحيدة الممكنة لبريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبى هو من خلال إقامة علاقة أكثر مؤسسية مع الاتحاد الأوروبى، وغير ذلك هى سلسلة لا تنتهى من المفاوضات والمواجهات والتصعيد.
ليز تروس، بصفتها المفاوض البريطانى الجديد بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ومن المحتمل أن تكون مرشحا فى المستقبل لرئاسة الوزراء، لديها حافز قوى لخلق بداية جديدة للعلاقة مع الاتحاد الأوروبى. وفى هذا، يجب على ليز أن تفهم أن الأمن والدفاع مجالان واعدان يمكن فيهما إيجاد حل للانفصال المؤلم بين الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة. لكن فى الوقت الحالى، لا يبدو أن أيا من الطرفين مهتم بتطوير علاقتهما الدفاعية والأمنية. فكما لوحظ فى «المراجعة المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية للمملكة المتحدة لعام 2021» بالكاد تم ذكر الاتحاد الأوروبى. كذلك الإشارة السطحية إلى العلاقات الأوروبية البريطانية فى المسودات الأولى لـ«البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبى». ورغم ذلك، هناك فرصة لأن الجانبين لم يسيسا التعاون الأمنى والدفاعى.
فى الواقع، على مستوى الاتحاد الأوروبى، يركز هذا التعاون على الروابط البيروقراطية بين وزارات الدفاع. ويظهر هذا الأسلوب فى العلاقة بين سويسرا ووكالة الدفاع الأوروبية. على الرغم من الاضطرابات السياسية الكبيرة فى العلاقات بين الاتحاد الأوروبى وسويسرا، استمر التعاون بين وكالة الدفاع الأوروبية وسويسرا، وخلق قناة فعالة، واحدة على الأقل، من التعاون بين الاتحاد وسويسرا.
فى مثل هذا التعاون التقنى عالى المستوى، لا يعنى أن تعامل الدولة الثالثة بمرتبة أدنى ــ وهو أمر كانت المملكة المتحدة حريصة على تجنبه. إن السبيل الوحيد للمملكة المتحدة للحفاظ على «سيادتها المستعادة» فى مبادرات الاتحاد الأوروبى المتعلقة بالأمن والدفاع هو قبول هذا الوضع، لأنه سيسمح بأشكال من التعاون مقبولا سياسيا للمواطنين البريطانيين. فى الواقع، كما أظهر استطلاع حديث للمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، سيدعم البريطانيون سياسة خارجية تعمل بشكل تعاونى مع الاتحاد، طالما أنه يمكن التوفيق بينها وبين رغبتهم الأساسية فى الاستقلال.
علاوة على ذلك، فإن نهج الاتحاد الأوروبى تجاه البلدان الثالثة آخذ فى التطور. على سبيل المثال، بدأت وكالة الدفاع الأوروبية أخيرا مفاوضات بشأن ترتيبات إدارية مع الولايات المتحدة. بعد الإعلان عن هذه المحادثات، وافق المجلس الوزارى التوجيهى لوكالة الدفاع الأوروبية على وثيقة تُحدث مبادئ المنظمة للتعاون مع الأطراف الثالثة. على الرغم من عدم إتاحتها للجمهور، فإن موافقة وكالة الدفاع الأوروبية على مثل هذه التحديثات يشير إلى التطور السريع فى نهجها. من المحتمل أن تغير «البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبى» نهجها فى التعامل مع الشراكات من الدول الثالثة فى مجال التكامل الدفاعى وتغيير سياساتها فى «مقاس واحد يناسب الجميع». يمكن لسياسات الاتحاد فى التمييز بين الشركاء إنشاء ترتيبات تتناسب بشكل أفضل مع رغبة المملكة المتحدة فى الحصول على معاملة خاصة.
يرى الاتحاد الأوروبى أن معظم مبادراته الأمنية والمشاركة الدفاعية الناجحة تنطوى على شراكات مع دول ثالثة. وهذا يخلق سلسلة من الفرص الاقتصادية والابتكارية والدبلوماسية العلمية للمملكة المتحدةــ لا سيما بالنظر إلى استبعاد الدولة من برنامج Horizon 2020 (هيئة البرامج للأبحاث والتطور التكنولوجى) التابع للاتحاد.
مرة أخرى، تقدم سويسرا مثالا جيدا لبريطانيا. أدى انهيار اتفاقية الإطار المؤسسى بين الاتحاد الأوروبى وسويسرا إلى تعليق سويسرا من برنامج Horizon 2020. وقد دفع هذا بدوره السويسريين إلى الاهتمام بمبادرات الدفاع فى الاتحاد الأوروبى كقناة خلفية لمعرفة أبحاث دول الاتحاد. على عكس Horizon 2020، فإن معظم المبادرات الدفاعية للاتحاد الأوروبى ليست من اختصاص المفوضية الأوروبية ولكن من اختصاص الوكالات الفنية أو الدول الأعضاء الفردية. وهذا يسهل على الدول التى لديها علاقة معقدة مع المفوضية الوصول إلى هذه المبادرات. بالنظر إلى أن المجال البحثى فى المملكة المتحدة يعانى بالفعل من عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، لا ينبغى على لندن أن تضيع فرصة للوصول إلى برامج الابتكار والبحث.
يمكن أن يوفر التعاون الأمنى والدفاعى أيضا إطارا مرنا وقابلا للتطوير للتعاون مع الاتحاد الأوروبى. بالنظر إلى أن المشاركة فى المنتديات الحكومية الدولية أصبحت ذات أهمية بالنسبة للمملكة المتحدة منذ مغادرتها الاتحاد الأوروبى، يمكنها أن تستفيد بشكل كبير من البنود الخاصة بتعزيز التعاون فى السياسة الخارجية والأمنية المشتركة فى الإعلان السياسى لبريكست. ينص جزء السياسة الخارجية فى الإعلان على أنه «يجوز للممثل السامى، عند الاقتضاء، دعوة المملكة المتحدة إلى اجتماعات وزارية غير رسمية للدول الأعضاء فى الاتحاد». لذلك، يمكن أن تشارك المملكة المتحدة فى اجتماعات غير رسمية لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبى. وبالمثل، فإن «التبادل المكثف للمعلومات» الذى نوقش فى الإعلان السياسى للبريكست يمكن أن يوفر للمملكة المتحدة طريق مهم لتشكيل عقوبات الاتحاد الأوروبى. حدد الاتحاد الأوروبى العقوبات باعتبارها شكلا هاما من أشكال الدعم لمواقفه الدولية وسعيه لتحقيق الاستقلال الاستراتيجى.
بشكل عام، يضع التوتر السياسى بين الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة قيودا خطيرة على جهودهما للتعاون مع بعضهما البعض. هذا هو السبب فى أنه يتعين عليهم البدء فى تنشيط علاقاتهم فى المجالات التى لم تشهد مناقشات سياسية ساخنة؛ وهما الدفاع والأمن.
يمكن أن يساعد التعاون التقنى فى إعادة بناء الثقة بين لندن وبروكسل، مما يوفر أساسا لعلاقة سياسية أفضل. يجب أن ينظر كلا الجانبان إلى الدفاع والأمن على أنهما المراحل الافتتاحية لماراثون ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ــ وليس مراحل السباق الأخيرة إلى خط النهاية.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنىالنص الأصلى