منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر 2023، وحتى كتابة هذه السطور لا تزال آلة القتل الإسرائيلية تدك يوميًا منازل الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة وتقتل العشرات منهم، جلهم من النساء والأطفال، تمر هذه الأيام وما يقرب من 600 يوم من الحرب قتلت خلالها إسرائيل أكثر من 53 ألف فلسطينى من سكان قطاع غزة، ولا يبدو فى الأفق أى علامات لتوقف الحرب، بل بالعكس فى كل يوم يجدد زعماء إسرائيل وعدهم بأنهم مستمرون فى حربهم دون توقف، ولا تلوح فى الأفق أية بوادر للتهدئة.
عندما اندلعت الحرب أعلنت إسرائيل أنها ستقوم بتعقّب قادة حماس وقتلهم، وبالرغم من مقتل الكثير من القادة مثل يحيى السنوار ومحمد السنوار وإسماعيل هنية، إضافة إلى مقتل الكثير من قادة حزب الله فى لبنان، فإنه من المفترض أن تكون هناك بوادر للتهدئة والتوقف عن ارتكاب المجازر التى تقوم بها هذه الدولة المارقة تجاه سكان قطاع غزة، غير أنه على العكس من ذلك، فإن إسرائيل تتعمد انتهاج سياسة تجويع وحصار الشعب الفلسطينى كرد فعل لرفض سكان القطاع سياسة التهجير القسرى.
قد تفتق ذهن زعماء إسرائيل مؤخرًا على سياسة تبدو أنها محاولة لإجبار سكان قطاع غزة على ترك منازلهم، فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن شروطها لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع والتى تشمل الغذاء والدواء، على أن تكون مراكز توزيع هذه المساعدات داخل مناطق محددة داخل القطاع وحرمان المناطق الأخرى منها، وهى تأمل فى أن يؤدى ذلك إلى هجرة سكانية إلى مناطق المساعدات، وهو ما يعنى إخلاء مناطق كبيرة من القطاع من سكانها.
هذه الهمجية الإسرائيلية بدأت فى خلق حالة من القلق فى أوساط بعض الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة (الحليف القوى لإسرائيل)، فالولايات المتحدة لديها أيضًا حلفاؤها ولا تريد خسارتهم، وقد وجه الرئيس الأمريكى ترامب مؤخرًا صفعتين لإسرائيل، الأولى وقف عملياته ضد الحوثيين مقابل إيقاف الحوثيين هجماتهم على السفن الغربية، وهو ما يعنى أن الولايات المتحدة لن تكون شريكًا فى حربها بشكل مباشر ضد الحوثيين، والصفعة الثانية هى تجاهل الرئيس ترامب خلال زيارته للمنطقة زيارة إسرائيل، وهى الزيارة التى كان يحرص على القيام بها الرؤساء الأمريكيون السابقون.
ما تريده إسرائيل من هذه الحرب يتجاوز كثيرا التخلص من حماس، فإسرائيل تريد إخلاء القطاع والضفة الغربية من سكانهما وتهجيرهما للخارج ليستقروا فى دول أخرى، ويدرك الشعب الفلسطينى هذا الهدف بوضوح، وفى ظل صرخات الرفض التى يطلقها الشعب الفلسطينى لرفض فكرة التهجير تقوم إسرائيل فى المقابل ــ بتوجيه ذخائرها ــ لا لقتل قادة حماس كما تدَّعى، بل لقتل الأبرياء من الشعب.
نتنياهو هو أكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية خوضًا للحروب ضد الشعب الفلسطينى، فمنذ وصوله لأول مرة لرئاسة الحكومة العام 1996 كان جليًا للعالم أجمع أنه الزعيم الأكثر تطرفًا فى التعامل مع القضية الفلسطينية، وهو يريد الآن حتى التخلص من السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية، من خلال دك المنازل وتدمير الطرق وإطلاق أيدى المستوطنين ليقوموا بترهيب سكان الضفة من الفلسطينيين بل وتسليحهم لاستكمال مخطط التهجير.
فى كل يوم تعلن الحكومة الإسرائيلية شروطًا جديدة لإنهاء الحرب، ثم تقوم بالمناورة لإفساد تنفيذ هذه الخطط، وفى اعتقادى الشخصى حتى لو عاد جميع الأسرى لإسرائيل فإن إسرائيل لن تتوقف عن مواصلة الحرب فى الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن مخططها للتهجير هو الأساس فى حربها ضد الشعب الفلسطينى، كما أنه من الواضح أن دعوات التنديد العالمية بإسرائيل لا تلقى صدى بين أعضاء هذه الحكومة المتطرفة، فآلة القتل المستمرة تهدف لما هو أبعد من استرجاع الإسرائيليين.
لقد تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء فى حربها فى الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى حربها الشعواء ضد سوريا ولبنان، حتى إن مؤسسات الإغاثة الغربية كانت عرضة للهجمات الإسرائيلية التى قتلت الكثير من موظفى هيئات الإغاثة، وكأن إسرائيل ترفع شعار لا لإغاثة الشعب الفلسطينى، وفى خضم ذلك كله يبدو المجتمع الدولى عاجزًا عن ردع إسرائيل ووقف آلة القتل التى تحصد يوميًا العشرات بل المئات من الأبرياء، والحكومة المتطرفة فى إسرائيل لا تُخفى جرائمها بل بالعكس، هى تريد أن تصل صور ومشاهد من هذه الجرائم للشعب الفلسطينى لتذكيرهم بأن لا مكان لهم فى أرضهم، كما أنها رسالة للمجتمع الدولى بأن مخططاتها لن تتوقف حتى يتم تهجير الفلسطينيين.
محمد مفتى
جريدة عكاظ السعودية