جائزة لرجل الصناديق السوداء - سيد محمود - بوابة الشروق
الأربعاء 25 يونيو 2025 7:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

جائزة لرجل الصناديق السوداء

نشر فى : الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 6:50 م

 

وسط طوفان الأخبار التى تلاحق الحرب التى تشنها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على غزة وإيران قرأت خبرا أعلنت فيه مصر للطيران توقف رحلاتها لعدة مدن منها بيروت وأربيل وبغداد؛ فتذكرت أننى كنت فى أربيل قبل شهرين بدعوة من الصديق الكبير فخرى كريم مدير مؤسسة المدى الذى اختير قبل شهر واحد شخصية العام فى منتدى دبى للإعلام وهو أول عراقى يتم اختياره لهذه الجائزة.

 وجد اختياره إجماعا بين أعضاء مجلس إدارة المنتدى الذين يضعون مجموعة من المعايير فى الشخصية التى يتم اختيارها، أولها الحرص على أن تكون ذات جهد رائد فى بناء مؤسسات إعلامية تستهدف إشاعة القيم التنويرية وتواجه ثقافة الكراهية والتحريض.

يمتلك فخرى كريم سجلا مهنيا حافلا بالتجارب المهمة، ليس فقط فى الصحافة الحزبية اليسارية كما يتوقع البعض وإنما فى العمل النقابى الصحفى أيضا؛ منذ أن انتمى إلى نقابة الصحافيين العراقيين عام 1959، حين كان يترأسها الشاعر العظيم محمد مهدى الجواهرى، ثم أصبح عضوا فى المكتب الدائم لاتحاد الصحافيين العرب، وقت أن كان مديرا لتحرير صحيفة (صوت الشعب) كما أصبح نائبا لرئيس اللجنة الاجتماعية لمنظمة الصحافيين العالمية. 

 وشملت مسيرته المهنية إصدار مجلات مهمة أبرزها مجلة «النهج» التى صدرت عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية فى العالم العربى وكانت تمثل مع مجلتى (الطريق) و(اليسار) رافدا مهما من روافد الثقافة اليسارية على الصعيد العربى، كما أصدر مجلة «المدى» الثقافية، التى أولت اهتماما واسعا بالأدب وخاصمت فى وقت مبكر مفهوم الالتزام الحزبى منحازة إلى الموهبة ولا شىء سواها كما كانت تفعل مجلة (أدب ونقد) فى مصر.

وبعد تأسيس صحيفة المدى فى بغداد أشرف كريم على إصدار كتاب المدى للجميع الذى كان يوزع شهريا مع عشر صحف عربية منها صحيفة (القاهرة) فى مصر.

وبعد تأزم الوضع الطائفى فى العراق أصبحت المدى فى ظل رئاسة المفكر على حسين منبرا للثقافة المستنيرة ولمن يخوضون حربا ضد الطائفية ويواجهون قوى الإسلام السياسى هناك، لذلك لم يكن غريبا أن يتعرض صاحبها لأكثر من محاولة اغتيال كان آخرها قبل نحو عامين.

ستبقى شخصية فخرى كريم بطابعها السجالى محل خلاف بين السياسيين داخل العراق وخارجه نظرا لانخراطه الطويل فى الشأن السياسى لكن المؤكد أن الكثير من المثقفين يقدرون الدور التنويرى الذى لعبه عبر دار المدى التى أصبحت واحدة من أكثر دور النشر العربية تأثيرا وأكثرها عناية بما تقدمه للقارىء من ترجمات ومؤلفات ذات أهمية كبيرة؛ بحيث بات من الصعب العثور على مكتبة لأى قارئ عربى تخلو من كتبها بعد أن احتلت موقع الصدارة فى جميع المعارض العربية وحظيت بثقة القراء فى كل مكان.   

أشعر شخصيا بامتنان كبير للصدفة التى جعلتنى أتعرف على فخرى كريم فى فترة مبكرة من عملى الصحفى وأقدر الثقة التى غمرنى بها طوال ربع قرن عاملنى فيها كابن وصديق رأيت فيها معه الكثير من الشواهد التى تؤكد إيمانه العميق بقيمة مصر وأدوارها السياسية والثقافية والحضارية.

ويكفى أنه كان من بين أبرز الأصوات الناقدة فى الصحافة العربية لتجربة حكم الإخوان المسلمين وألف كتابا حولها أصدرته الدار المصرية اللبنانية  تحت عنوان (الإخوان الحقيقة والقناع) كرسه بالكامل لفضح مخططات الإخوان والترحيب بأى تحرك شعبى لمواجهتها، مؤكدا أن الإسلام السياسى ليس بإمكانه إلا إنتاج نظام شمولى طائفى. 

وخلال مناسبات إنسانية عديدة لمست اعتزازه بمعانى الصداقة التى جمعته مع راحلين رافقهم فى مصر وتعلق بهم من أمثال المخرج فؤاد التهامى والصحفى الكبير حسين عبدالرازق والصحفى صلاح عيسى والناقد على أبو شادى والدكتور سمير سرحان والدكتور جابر عصفور الذى جاء إلى القاهرة خصيصا لوداعه إلى مثواه الأخير وأصدر عددا خاصا من جريدة (المدى) فى وداعه وهو ما فعله يوم أن خسر العراق رموزا بحجم مظفر النواب وفؤاد التكرلى.

وفى محن عاشتها شخصيات أخرى كان أول من يبادر بالاتصال معلنا استعداده للدعم والمساندة غير المشروطة بروح الصديق وليس انطلاقا من أى دافع آخر.

وحين يأتى صوته معلنا أنه فى انتظار إقلاع الطائرة التى تأخذه إلى القاهرة  أشعر بالفرح الذى يتملكه والوعود التى تقوده إليها كمحب قديم على موعد مع ذكريات ومحطات تلح على ذاكرته الوفية لعناده وقد شجعته كثيرا على كتابة مذكراته أو سيرته الذاتية غير أنه تكاسل مكتفيا بطبع مقالاته وافتتاحيات صحيفة المدى فى سلسلة من الكتب صدرت خلال العام الماضى لكنها لم ترض شهوة الساعين إلى فتح صناديقه السوداء كما لم تلبى طلبى نظرا لمعرفتى بما لديه من أسرار كثيرة.

يحب فخرى كريم أن تختلف معه ويرتاح لمن يستفز قدراته على النقاش والمناكفة والسجال لأن عقله ينشغل بالمستقبل دائما وهو فى ورشة لا تتوقف عن العمل لعلها ورشة الأمل.