«رأيت فى الحلم لصا يدخل بيتنا، قاومته بكل قوتى، وضغطت على عنقه حتى فارق الحياة، استيقظت لأكتشف أننى خنقت زوجتى الحبيبة وهى نائمة بجانبى فى الفراش». بهذه الكلمات شرح بريان توماس للشرطة كيف قتل كريستين التى لم يفترق عنها منذ أن تزوجا.
وتبين خلال التحقيق أن توماس كان يعانى من اضطرابات فى النوم تسببت فى خلل أصاب قدراته على اتخاذ قرارات سليمة، وجعلته يتخيل أشياء، ويمشى أحيانا وهو نائم.
كانت الساعة قد جاوزت الثالثة بعد منتصف الليل التى خرج فيها مصريون كثيرون إلى الشوارع للاحتفال بـ«أول نصر» يتحقق منذ حرب أكتوبر، أى منذ ستة وثلاثين عاما. قضيت الساعات الأولى من الليل أحاول الحصول على النوم ولو قليل منه.
أدركت بعد حين أنه لا نوم لى فى هذه «الليلة الكبيرة»، وأن الأفضل لسلامة عقلى وربما مستقبلى وحياتى وحياة آخرين أن أترك الفراش وأمارس شيئا آخر غير النوم. وبالفعل التقطت من بين الكتب والدراسات فى مكتبتى ما اهتم منها بموضوع النوم، عسى أن أضيف الجديد إلى معلوماتى عما يحدث للناس المحرومين من نعمة النوم المنتظم والعميق.
كنا ونحن صغار نتعلل بأن النوم يستعصى علينا على أمل أن يتركنا الأهل نسهر فى معيتهم ونشاركهم الاستمتاع بمسلسلات الإذاعة وحفلات أم كلثوم، وكانوا لا يكلون من توجيه نصيحة بعينها إن أخذنا بها فلن تمر دقائق إلا وقد غلبنا النوم. أما النصيحة فكانت أن نتخيل أنفسنا فى فضاء فسيح يرعى فيه قطيع من الغنم، ونفترض أن الراعى طلب منا مساعدته للاطمئنان على أن «الديبة» لم تأكل خروفا من خرافه المائة.
لم يخالجنا فى ذلك الحين شك فى أن للأهل هدفا مزدوجا، هو أن ننشغل عنهم بالخراف نعدها خروفا خروفا، وأننا حين نفعل ذلك وننشغل به فلن يذهب تفكيرنا إلى أشخاص وممارسات وأشياء تفسد أخلاقنا وتلوث براءتنا.
وبالرغم من الصخب المتوحش فى الشارع أو بسببه استطعت أن أقضى وقتا لا بأس به أقرأ عن النوم تعويضا عن عجزى عن ممارسته. عرفت أن الأسد ينام خمس عشرة ساعة فى اليوم بينما تنام الزرافة خمس ساعات فقط. لكنى ورغم محاولات عديدة سابقة لم أعثر على إجابة للسؤال عن كيف تطير الطيور المهاجرة أياما متتالية بدون نوم وهى تعبر البحر المتوسط من شواطئه الجنوبية إلى شواطئنا الشمالية؟.
ومن مقالات متفرقة فى مجلة «النوم» Sleep الأمريكية عرفت أن النوم علاج وتصحيح للعطب الذى يصيب منظومة الأعصاب فى جسم الإنسان خلال النهار، كما أنه يمنح الفرصة للمخ ليقوم بتسجيل وتثبيت أهم ما دار خلال ساعات اليقظة. البروفيسور Verome Siegel أستاذ علم الأعصاب فى جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس أن النوم يلبى للحيوانات حاجتها إلى الأمن والاختباء، وقد ثبت بالبحث أن أقل الصيد يقع للحيوانات النائمة.
وأظن أنها خلاصة معقولة وتطبيقاتها فى عالم البشر مثيرة. خذ مثلا مشكلة المرور فى القاهرة، فلو أن الناس ناموا ساعات طويلة فى النهار لانخفض بشدة عدد حوادث السيارات والمارة. ولو أن كل العاطلين عن العمل أو غير الراغبين فيه، من أغنياء وفقراء، قضوا وقتهم نياما ولم يخرجوا من قصورهم أو عششهم لانخفض استهلاك الطاقة وهدأت الحركة فى الطرقات وارتاحت أعصاب الناس وزادت إنتاجية العاملين منهم.
إن أحد أهم مشكلات المدن المصرية هى شوارعها المكتظة بأفراد فضلوها على بيوتهم ويقضون فيها وقتا أطول مما يقضونه فى النوم.