قمة هيروشيما.. والسلاح النووي! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قمة هيروشيما.. والسلاح النووي!

نشر فى : السبت 25 فبراير 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 25 فبراير 2023 - 9:25 م
ينتظر العالم قمة هامة فى مايو القادم، وذلك عندما تستضيف مدينة هيروشيما اليابانية قمة الدول السبع الكبرى فى الفترة من ١٩ إلى ٢١ من الشهر نفسه. تحمل تلك القمة رقم ٤٨ منذ القمة الأولى التى أقيمت فى عام ١٩٧٥ واستضافتها فرنسا. منذ ذلك الحين، تعقد القمة بشكل دورى كل عام وفى بعض الأحيان مرتين فى العام، وباستثناء عام ٢٠٢٠ التى تم فيها إلغاء القمة التى كان من المقرر عقدها فى كامب ديفيد بالولايات المتحدة بسبب جائحة كورونا، فقد أقيمت كل القمم السابقة فى موعدها.

تكمن أهمية هذه القمة من كونها واحدة من أكبر التجمعات العالمية التى تجمع رؤساء ورؤساء حكومات الاقتصاديات الأكبر فى العالم (الولايات المتحدة، كندا، إنجلترا، إيطاليا، ألمانيا، فرنسا، واليابان) للتشاور بخصوص التنسيق الأمنى والسياسى والتجارى بالإضافة إلى ما قد يحل من قضايا عالمية بين هذه الدول. ولذلك يعتقد البعض أن هذه القمة هى أجدر بالمتابعة من الجلسات العامة للأمم المتحدة، كون أن هذه القمم لا تكون مجرد منبر للأفكار وتبادل العبارات والمجاملات الدبلوماسية، ولكنها تكون محل أنظار العالم لما ينتج عنها من سياسات أو توجهات يعتقد فى أنها تكون بوصلة للنظام العالمى فى وقت تعجز فيه الأمم المتحدة عن القيام بالدور ذاته!

تعد اليابان هى الدولة الوحيدة غير الغربية التى تحظى بعضوية المجموعة، وخاصة بعد استبعاد روسيا من القمة والتى كانت قد انضمت لها منذ ١٩٩٧ حيث أصبحت تعرف باسم «قمة الثمانية»، حتى ٢٠١٤، إذ تم طرد روسيا من القمة فى نفس العام الذى كان من المقرر فيه أن تستضيف مدينة سوتشى الروسية القمة، بعد قيام بوتين بضم شبه جزيرة القرم، فعادت مرة أخرى إلى المسمى القديم «قمة الدول السبع»!
• • •

تنتظر القمة هذا العام العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية وخصوصا القضايا المناخية والتجارية فى ظل الأزمات الاقتصادية وأزمة الطاقة جراء الحرب الروسية ــ الأوكرانية، لكن على رأس كل هذه القضايا تأتى القضية النووية، ليس فقط بسبب التهديدات النووية المتزايدة القادمة من روسيا وكوريا الشمالية، وليس فقط لأن القمة فى اليابان، وهى الدولة الوحيدة فى العالم التى عانت من ويلات استخدام السلاح النووى فى الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، ولكن لأن الموضوع نفسه يمثل هما شخصيا لرئيس الوزراء اليابانى فوميو كيشيدا الذى عاش عددا كبيرا من سنوات حياته فى مدينة هيروشيما التى تنحدر منها أصول عائلته والتى قضت القنبلة النووية على عدد كبير منهم، كما أنه مثل سكان المدينة فى البرلمان اليابانى لسنوات قبل أن يصعد تدريجيا على قمة هرم الحزب الديموقراطى الليبرالى الحاكم ويتولى عدة مناصب فى مقدمتها منصب وزير الخارجية ووزير الدفاع ثم لاحقا إلى رئاسة الوزراء فى أكتوبر من عام ٢٠٢١.

كان كيشيدا، خلال عمله كوزير لخارجية اليابان (٢٠١٢ــ٢٠١٧)، مهندس أول منتدى للخبراء والشخصيات البارزة من أجل نزع السلاح النووى، قبل أن يعيد تفعيل الفكرة مرة أخرى فى يناير من عام ٢٠٢٢ حينما دعا إلى إنشاء «المجموعة الدولية للأشخاص البارزين لعالم بلا سلاح نووى» أو التى تعرف بالإنجليزية اختصارا بالـ IGEP وهى مجموعة تضم نخبة من الخبراء والدبلوماسيين المتخصصين فى قضايا نزع السلاح النووى، والتى عقدت أول اجتماعاتها فى ديسمبر الماضى بحضور كيشيدا الذى ألقى كلمة طويلة أمام المجموعة عبرت عن خيبة أمله من عدم تمكن المجتمع الدولى من تبنى قواعد أكثر صرامة لمواجهة الخطر النووى، مؤكدا على إرادته السياسية فى مواصلة العمل على القضية النووية وطرحها كقضية رئيسية على أجندة قمة السبع فى هيروشيما مايو المقبل.

كان تعبير كيشيدا عن خيبة أمله مبررا، وخاصة بعد حضوره المؤتمر الدورى للأطراف فى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أغسطس الماضى وهو المؤتمر الذى من المفترض أن يعقد كل خمس سنوات لمراجعة تطورات الاتفاقات الدولية بخصوص القضية النووية، ولكنه كسابقه فشل فى الوصول إلى اتفاق بين الدول الأطراف، ورغم محاولات كيشيدا الدءوبة لوضع عدة قواعد للاتفاق عليها فى مؤتمر المراجعة مثل تحديد قواعد الشفافية الخاصة بالدول التى تمتلك أسلحة نووية، ووضع معايير لعمليات التفتيش على الأسلحة النووية مع جداول زمنية ملتزم بها، إلا أن عجز الدول الأطراف عن التوصل لأى اتفاق أو تقديم أى تعهدات دفع كيشيدا للشعور بالإحباط!
خلال مؤتمر الأطراف هذا، دفع كيشيدا بورقة جديدة للتفاوض بين الدول الأطراف تقوم على ما يعرف باسم «خطة عمل هيروشيما» وهى خطة عمل منبثقة عن اجتماعات مطولة جرت فى مدينة هيروشيما قبل أكثر من عشر سنوات وأشرفت عليها لجنة عرفت باسم «هيروشيما للسلام العالمى» تضع مجموعة من المعايير المتعلقة بالشفافية بخصوص القدرات النووية كما تتعهد بوضع اليابان ١٠ ملايين دولار أمريكى (نحو 1.3 مليار ين يابانى) تحت تصرف الأمم المتحدة من أجل إنشاء صندوق يسعى لدعوة الشباب حول العالم لزيارة مدينة هيروشيما وتعلم تاريخ وخبرات الحروب النووية.

هذا ومن المنتظر أن يحاول كيشيدا فى قمة هيروشيما الحصول على موافقة الدول السبع الكبرى على ٤ خطوات رئيسية من أجل نزع السلاح النووى وهى كالتالى:

أولا: طرح جهد بحثى جديد لإعادة صياغة الأسس النظرية لمسألة نزع السلاح النووى من خلال اعتماد آلية تنسيق بين المراكز البحثية الكبرى والأطراف الدولية المتعددة المتخصصة فى المسألة النووية فى محاولة لإحداث تحول فكرى عالمى بخصوص المسألة النووية.

ثانيا: طرح آلية تنسيقية تقوم على التشبيك بين كيانات متعددة يمكن أن تشكل قوة ضغط على صناع القرار فى بلادها من أجل دعم مسألة منع انتشار الأسلحة النووية، سواء كانت مراكز بحث وفكر أو منظمات غير حكومية أو مجموعات متعددة من نشطاء السلام وغيرهم من الأشخاص الفاعلين فى مجتمعاتهم والمؤثرين على كل من الرأى العام والحكومات وصناع القرار.

ثالثا: تطبيق مبادرات إعادة الإعمار وبناء السلام لمناطق الحروب والنزاعات مرتكزة على خبرة مدينة هيروشيما فى إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية.

رابعا وأخيرا: بناء آليات جديدة لتحقيق السلام المستدام بين دول العالم تتخذ من مدينة هيروشيما مقرا لها، مع استعداد اليابان لتغطية تكلفة ونفقات كل هذه الآليات السابقة.
• • •

لا شك فى توافر الإرادة السياسية لدى اليابان لنزع السلاح النووى، كما أنه من غير المتوقع أن تشهد هذه الآليات التى من المنتظر طرحها فى قمة هيروشيما أى اعتراض من قبل باقى دول المجموعة وخصوصا أن الاتحاد بين الدول السبع فى مواجهة تزايد التهديدات النووية هو أمر حتمى هذه الأيام، لكن هل تنجح القمة فى تنفيذ هذه الآلية اليابانية الجديدة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر