يحتفل العالم فى يوم السادس والعشرين من إبريل من كل عام باليوم العالمى للملكية الفكرية، وهو يوم تقرر الاحتفال به بهذه الصفة من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية، التى يوجد مقرها الرئيسى فى مدينة جنيف السويسرية، وفى كل عام تختار المنظمة موضوعا محددا لذلك اليوم، بما يختلف ما بين عام وآخر، والموضوع الذى تم اختياره لهذا العام 2018 هو تشجيع الابتكار والإبداع لدى المرأة. وتنظم مكاتب الملكية الفكرية فى الكثير من دول العالم احتفالات وطنية أيضا بهذه المناسبة، تزامنا مع الاحتفال السنوى للمنظمة العالمية للملكية الفكرية بهذه المناسبة فى جنيف، كذلك تقوم بالأمر ذاته منظمات إقليمية، مثل جامعة الدول العربية، أو شبه إقليمية معنية بموضوعات الملكية الفكرية أو بها إدارات تتعامل مع الموضوعات المندرجة تحت العنوان العريض المسمى «الملكية الفكرية».
والمنطقة العربية هى بالتأكيد جزء نابض من العالم، وبالتالى تتفاعل مع أحداث وتطورات واحتفاليات دولية كثيرة، ولا يمثل الاحتفال باليوم العالمى للملكية الفكرية استثناء من هذه القاعدة. فكل عام تحيى جامعة الدول العربية ذكرى ذلك اليوم عبر تنظيم ندوة إقليمية حول الموضوع المخصص لذلك العام، وتقوم العديد من مكاتب الملكية الفكرية فى بعض الدول العربية بتنظيم فاعليات مختلفة للاحتفاء بهذا اليوم، خاصة بهدف نشر الوعى بموضوعات الملكية الفكرية وإظهار دورها الإيجابى فى تشجيع الابتكار والإبداع فى المجتمعات، ومن ثم الإسهام البناء فى تحقيق تقدم على مسار التنمية بأبعادها المتنوعة وفى صيغتها الشاملة المشتملة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والثقافية.
وفى واقع الأمر فإن كلا من المنظمة العالمية للملكية الفكرية وجامعة الدول العربية اهتمتا بموضوعات تشجيع المرأة العربية فى ميادين الابتكار والإبداع منذ ما قبل إعلان هذا الموضوع موضوعا للاحتفال هذا العام باليوم العالمى للملكية الفكرية، فقد نظمت المنظمتان بشكل مشترك فى مايو 2017 بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة ورشة عمل إقليمية موسعة شملت جميع البلدان العربية بهدف النظر فى تبادل الخبرات والتجارب بغرض تمكين المرأة وتحسين البيئة المحيطة بها بهدف توفير الحافز والتشجيع والحماية لها ولنتائج إبداعاتها واختراعاتها، ومن أجل توسيع دائرة الاستفادة وإدماج بعد التعاون عبر الإقليمى تم أيضا مشاركة منظمة غير حكومية كورية ولكن لها نشاط عالمى، وهى معنية بالمرأة المبتكرة وما تواجهه من تحديات. وقد مثل هذا النشاط فرصة مواتية لتبادل الرؤى والخبرات فيما بين البلدان العربية، وبينهم وبين الجانب الكورى بشأن التجارب الخاصة بكل طرف والدروس المستفادة منه فى هذا المجال الهام.
والواقع أن أوضاع المرأة العربية فى مجال الابتكار والإبداع شهدت تقدما مطردا، خاصة على مدى السنوات الماضية، إلى الحد الذى وصلت فيه نسبة مشاركة النساء العرب فى قطاع العلوم والتكنولوجيا نحو 37%، مقارنة بالرجال، وهى نسبة هامة ومرتفعة إذا ما قورنت بمناطق أخرى فى العالم، ليس فقط فى العالم الثالث وبلدانه النامية، بل حتى إذ ما قورنت بالنسبة الموجودة فى العديد من البلدان المتقدمة، ويكفى القول بأن هذه النسبة فى المنطقة العربية تتقارب بشدة مع النسبة السائدة فى بلدان الاتحاد الأوروبى، وهو الأمر الذى يحمل بشائر ومؤشرات مشجعة وإيجابية للمستقبل ومساراته فى هذا القطاع الهام، وهو القطاع المؤثر بقوة وعمق فى تلبية متطلبات بناء اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة.
إلا أنه بالرغم من هذه العلامات الإيجابية فهناك الحاجة للمزيد من العمل من أجل تمكين المرأة والفتاة العربية ورفع درجة وعيها فى مجال الملكية الفكرية وتشجيعها على الابتكار والإبداع، ومن هنا كرس الاجتماع التنسيقى الإقليمى الثامن لرؤساء مكاتب الملكية الصناعية فى البلدان العربية، والذى تم تنظيمه فى القاهرة مطلع شهر إبريل الحالى بواسطة المنظمة العالمية للملكية الفكرية وجامعة الدول العربية، بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا المصرية، ومكتب براءات الاختراعات المصرى المندرج ضمن الأكاديمية، اليوم الأخير من أيام عمله الثلاثة للبحث فى سبل ووسائل تشجيع ابتكار المرأة العربية والسعى من أجل تذليل أى عوائق تحول دون إدماج المرأة العربية بشكل كامل فى منظومة الابتكار والملكية الفكرية فى جميع الدول العربية، حيث عرض ممثلو المنظمة العالمية للملكية الفكرية مبادرات خاصة بهذا المجال فى بلدان ومناطق أخرى فى العالم وما حققته من نجاحات وواجهته من مصاعب وعوائق، بهدف استفادة البلدان العربية من معطيات ودروس هذه المبادرات.
إلا أنه يتعين إدراك أن موضوع الملكية الفكرية والابتكار والإبداع بالنسبة للمرأة والفتاة العربية هو أمر شديد الارتباط بالعديد من العناصر الأخرى التى تتراوح ما بين ثوابت ومتغيرات، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر حالة النظام التعليمى فى كل بلد بمناهجه وإداراته وتطويره ودرجة تدريب المعلمين به، وموقع المرأة من هذا النظام التعليمى ومدى تمتعها بالمساواة فى الفرص مع الرجل أو خلاف ذلك، وكذلك نسبة الإناث فى مختلف مراحل العملية التعليمية، بدءا من المرحلة الخاصة بالتعليم الأساسى إلى المرحلة الجامعية، وأيضا هناك العلاقة بسياسات البحث العلمى والتطوير التكنولوجى والموارد المتاحة لها، ومدى الصلة بين مراكز البحوث والجامعات من جهة وبين قطاعات الاقتصاد على تنوعها وهى الصناعة والزراعة والخدمات والتجارة وقطاع الأعمال وغيرها من جهة أخرى، سواء من جانب التعاون والتنسيق الموضوعى أو من جانب الاعتبارات التمويلية، ومدى تمتع المرأة العربية بنصيب عادل فى هذا السياق، وكذلك الشراكات الموجودة بين تلك المراكز والجامعات وبين مؤسسات بحثية خارجية، دولية أو إقليمية أو وطنية، وإلى أى درجة تسهم تلك الشراكات فى التأثير، سواء بالسلب أو الإيجاب، على مكانة المرأة فى ميادين الابتكار والإبداع. وتوجد ايضا المعارض الوطنية أو الإقليمية أو شبه الإقليمية أو تلك الدولية لتشجيع الابتكار أو لعرض الاختراعات أو تنظيم المسابقات فيما بينها وكذلك تقديم الجوائز للفائزين، وتوجد أمثلة موجودة لتكريس بعض هذه الجوائز تحديدا للفتاة أو المرأة المبتكرة والمخترعة.
ولئن كانت البلدان العربية قد خطت خطوات مهمة على طريق تمكين المرأة العربية وتشجيعها فى مجالات الابتكار والإبداع المختلفة، فإن السياسات والاستراتيجيات اللازمة لرفع وعى المرأة العربية بأهمية الملكية الفكرية، يتعين أن تكون متسقة مع ومنبثقة من مجمل خطط التنمية الوطنية، وكذلك مع سياسات العمل والتشغيل، وغيرها من السياسات ذات الصلة، وهناك منظمات دولية مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية وأخرى إقليمية مثل جامعة الدول العربية تقدم التعاون الفنى اللازم الذى قد تحتاج البلدان العربية إليه فى سياق تعزيز قدراتها وجهودها لتوفير البيئة المواتية والدافعة للمرأة العربية لتحقيق المزيد من الإنجاز على ساحة الابتكار والإبداع، بما فى ذلك تبنى سياسات تمثل حزمة حوافز للفتاة والمرأة العربية فى هذا المجال، بالإضافة إلى إزالة أى عوائق على هذا الدرب.