هل هناك طريقة مثلى توازن ما بين رغبة الحكومة الجامحة فى عملية الإصلاح الاقتصادى بكل ما فيها من تداعيات وآثار مؤلمة وموجعة، وبين عدم إصابة الفقراء والطبقة المتوسطة بالمزيد من الضربات القاتلة؟!
حتى هذه اللحظة لم تستطع الحكومة الوصول إلى هذه النقطة أو الحل الوسط.
الحكومة تقول إنها مضطرة للإصلاح الاقتصادى مع كل ما يترتب عليه من آثار صعبة على المواطنين، وهؤلاء بدورهم يقولون إننا لم نعد نستطيع تحمل المزيد.
الحكومة بدأت برنامجا للإصلاح الاقتصادى قامت من خلاله بتعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية، وأعلنت بصورة واضحة أكثر من مرة، أنها سترفع تدريجيا الدعم عن الوقود والخدمات الأساسية خلال خمس سنوات بدأت عام ٢٠١٤.
رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق الذى تم قبل أيام كان فى إطار هذه الاستراتيجية، والمتوقع أن يتم رفع أسعار الوقود والكهرباء وخدمات أخرى خلال الأسابيع المقبلة. إذا حدث ذلك فالمؤكد أن أسعار العديد من السلع والخدمات سوف ترتفع بصورة آلية بعد رفع أسعار الوقود.
السؤال: كيف يتقبل المواطن المصرى العادى قرارات الحكومة المتوقعة برفع أسعار الوقود والخدمات الأخرى؟
نفس السؤال تقريبا طرحته أكثر من مرة فى هذا المكان. ومنطقيا فإن غالبية المواطنين، لن تتقبل ذلك، بل ستبادر بالصراخ والعويل، لأنها تقول إنها لم تعد قادرة على التحمل.
السؤال الثانى فى هذه الحالة: ما الذى ينبغى على الحكومة أن تفعله؟!
الطبيعى أن تبادر الحكومة وقبل رفع الأسعار أو بالتزامن معها، أو حتى بعدها مباشرة، أن تتخذ حزمة جديدة من برامج الحماية الاجتماعية، خصوصا للفئات الأكثر تضررا من القرارات المتوقعة.
وهناك مؤشرات متعددة على وجود اتجاه بالفعل داخل الحكومة للإعلان قريبا عن الحزمة الاجتماعية، نشرت بعض ملامحه «الشروق» وصحف زميلة اخرى، قبل أيام، وربما تشمل علاوة غلاء استثناءية وتوسيع برنامجى تكافل وكرامة، والضمان الاجتماعى، والمخصصات التموينية، وأفكار أخرى يمكنها التخفيف من الآثار المتوقعة لرفع الأسعار.
لكن السؤال الثالث هو: وهل تكفى مثل هذه القرارات ــ حال اتخاذها ــ فى تقبل غالبية المواطنين لهذه القرارات، أو حتى تفهمها؟! قد لا يحدث ذلك بسهولة، لأن المواطن سيحسب الأمر بما يكسبه أو يربحه أو يحصل عليه من دخل مقارنة بما ينفقه، وبالتالى فلن يستمع إلى أى منطق حتى لو كان صحيحا. هو يحسبها ببساطة، ويسأل نفسه: كيف سيمكننى العيش بالدخل الموجود، مع الأسعار الجديدة؟! وبالتالى هو سيقبل مضطرا الأوضاع الجديدة طالما كان قادرا على التكيف معها.
لكن إذا شعر أن أحواله سوف تسوء أكثر فوقتها لن ينفع معه المنطق الذى تتحدث به الحكومة!.
أحد الاقتراحات الأساسية التى تجعل المواطنين يتقبلون الأمر، ولو على مضض، هو شعورهم بأن الأعباء موزعة على الناس بالتساوى أو طبقا لظروف كل منهم.
وأن يشعروا أن القانون يطبق على الجميع بالعدل والمساواة، لا فرق بين غنى وفقير، أو وزير وغفير.
النقطة الجوهرية هنا أن تتمكن الحكومة من تحصيل الضرائب من القادرين، بصورة فاعلة، حتى تنفق على غير القادرين، الموظفون وهم الطبقة المطحونة فى المجتمع يقولون إن الحكومة تخصم الضرائب من رواتبهم الضعيفة من المنبع، فى حين أنها لا تحصل على الضرائب من بعض القادرين، أو تحصل عليها بنسب ضعيفة، وبالتالى فإن من يتحمل عبء تمويل عملية الإصلاح هم الفقراء وليس القادرين.
أضف إلى ذلك عاملا فى منتهى الأهمية وهو قلة كفاءة الجهاز الإدارى للدولة، وتضخمه وترهله فى العديد من المؤسسات الحكومية. هذا العامل يؤدى إلى نقص أداء الخدمات بكفاءة، والأهم يتحمل المواطنون عبء تمويل هذا الترهل، مما يزيد من تكلفة السلع والخدمات، مقارنة بتكلفة السلعة نفسها فى بلدان أخرى. اما العامل الاكثر اهمية من وجهة نظرى محاربة الفساد؛ لأنه سيعطى المواطنين رسالة حاسمة بأن الحكومة جادة فعلا فى الإصلاح الشامل وليس الاقتصادى فقط.
الكرة فى ملعب الحكومة، كى تبدأ فى إقناع المواطنين بأنها جادة فى الإصلاح. إذا حدث ذلك فإن درجة تذمر المواطنين سوف تقل، والعكس صحيح.