السفير حازم فهمى والتجسيد الحى لدبلوماسية التنمية - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 1 مايو 2025 4:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

السفير حازم فهمى والتجسيد الحى لدبلوماسية التنمية

نشر فى : الأربعاء 30 أبريل 2025 - 8:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 30 أبريل 2025 - 8:25 م

فقدت الدبلوماسية المصرية منذ أيام قليلة واحدًا من أقدر وأنبل وأميز وألمع سفرائها ودبلوماسييها، الذين انضموا إلى صفوفها فى عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وهو السفير حازم فهمى، رحمه الله. وقد بدأت معرفتى بحازم فى سن مبكرة منذ أن تزاملنا فى مرحلة الدراسة المدرسية فى مدرسة واحدة وإن كنت أنا أكبره بعامين، وكان أخوه الأستاذ الدكتور حسام فهمى، من كبار أساتذة طب معامل التحاليل فى مصر، يكبرنى بعام واحد. ومنذ ذلك الوقت بدأت صداقة متينة بيني وبين السفير حازم والدكتور حسام لم تنقطع.
ومنذ انضمامه إلى صفوف مؤسسة الدبلوماسية المصرية ركز الراحل على الموضوعات الاقتصادية، وكنا جميعًا، أى من انضم إلى صفوف العمل الدبلوماسى المصرى فى ثمانينيات القرن العشرين، متأثرون للغاية بالتوجه الذى رفعه وتبناه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الراحل الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد آنذاك، وهو «دبلوماسية التنمية»، والذى كان يعتبر نهجًا مهمًا ومتميزًا فى توقيت تبنيه بعد استعادة مصر للغالبية العظمى من أراضيها المحتلة فى شبه جزيرة سيناء فى 25 أبريل 1982 ثم استكمال ذلك لاحقًا عبر استعادة منطقة طابا طبقًا لقرار هيئة التحكيم فى جنيف فى عام 1988.
وقد عمل السفير حازم فهمى فى فترات مختلفة فيما كان يسمى بالإدارة الاقتصادية ثم سمى لاحقًا بالقطاع الاقتصادى فى وزارة الخارجية المصرية، وتتلمذ على أيدى سفراء عظام وأساتذة أجلاء من الرعيل الأول للسفراء المصريين الذين انضموا إلى وزارة الخارجية فى أعقاب قيام ثورة 23 يوليو 1952 وعلى مدى عقد الخمسينيات من القرن العشرين وممن تعلم على أيديهم العمل الدبلوماسى أجيال متتالية من الدبلوماسيين المصريين وغير المصريين، وكان فى طليعتهم السفير سعد الفرارجى والسفير الراحل الدكتور عبدالهادى مخلوف والسفيرة ميرفت تلاوى والسفير الدكتور منير زهران والسفير الدكتور جمال البيومى، كذلك عمل السفير حازم فهمى فى فترات أخرى فى مكاتب عدد من وزراء الخارجية السابقين مسئولًا عن الملف الاقتصادى، خاصة مع وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى، وفى البعثات الدبلوماسية الخارجية لمصر عمل السفير حازم فهمى، رحمه الله، فى عدد من البعثات المتميزة، خاصة بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة فى نيويورك وسفارة مصر لدى الولايات المتحدة الأمريكية وسفارة مصر فى بروكسل التى تمثل مصر لدى الاتحاد الأوروبى، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. كما عمل رحمه الله مع سفراء أجلاء من جيل تالٍ ممن تخصصوا وبرزوا وأجادوا فى المسائل الاقتصادية، مثل السفير رءوف سعد والسفيرة الدكتورة ماجدة شاهين والسفير الدكتور مجدى حفنى والسفير هانى خلاف والسفير هانى رياض، رحمه الله، والسفير الدكتور شعبان محمد شعبان، رحمه الله.
وأتذكر جيدًا أنه خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين كنت آنذاك معارًا من وزارة الخارجية المصرية إلى إحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة التى كان مقرها مدينة جنيف السويسرية، وتم التواصل بينى وبين السفير حازم فهمى، رحمه الله، وأخبرنى بأنه سوف يمر بمطار جنيف، ويمكث به عدة ساعات فى طريقه إلى المشاركة، ضمن وفد مصرى، فى أحد المؤتمرات الدولية التى نظمها ودعا إليها فى تلك الحقبة الراحل الكبير الدكتور بطرس بطرس غالى عندما كان أمينًا عامًا للأمم المتحدة، والذى كان يأمل بأن تكون تلك المؤتمرات الدولية بمثابة محافل ذات طابع ديمقراطى تضم كل دول العالم لتصوغ النظام العالمى فى فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، بحيث لا تنفرد قوة أعظم واحدة، أى الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت، ولا حتى عدد محدود من الدول، بصياغة النظام العالمى الجديد.
وكان هذا المؤتمر الذى كان السفير حازم فهمى، رحمه الله، متجهًا إليه يدخل تحت مظلة المؤتمرات الاقتصادية الكبرى والعامة المتصلة بتحدى التنمية، والتى كانت تجرى فى ذلك السياق، وعندما التقينا فى مطار جنيف أطلعنى على ما قام به من جهد كبير وما ساهم به من إبداع شخصى فى التحضير لهذا المؤتمر المهم، فلم يكن الأمر مقتصرًا على قيامه بتجميع وتلخيص وعرض المعلومات ذات الصلة، ولا حتى مجرد إضافة التحليل القيم من جانبه، بل تخطى ذلك، وهو الدبلوماسى الشاب فى ذلك الوقت، ليشمل اجتهاده فى بلورة وصياغة أفكار ومبادرات ومشروعات من الممكن أن يطرحها الوفد المصرى فى المؤتمر المذكور لتلبية احتياجات ومصالح وطنية مصرية من جهة ولتجميع بلدان الجنوب أحيانًا وبلدان إفريقيا أحيانًا أخرى وراء الدور القيادى لمصر فى طرح تلك المشروعات التى سوف تحقق مصالح مشتركة لبلدان العالم الثالث أو بلدان القارة السمراء من جهة أخرى. ولم تكن تلك المرة هى الأولى أو الأخيرة التى يتميز ويبرز فيها اسم السفير الراحل حازم فهمى، وهو ما زال دبلوماسيًا شابًا أو فى درجة متوسطة أو عليا بعد ذلك فى مسار عمله الدبلوماسى الذى امتد بنجاح وإبهار حتى بلوغه سن الستين وتقاعده منذ شهور قليلة.
وخلال الألفية الثالثة، ونتيجة أن صيت السفير حازم فهمى وتفوقه ونبوغه فى الموضوعات الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بالتنمية، قد ذاع لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة فى الموضوعات الاقتصادية والتمويلية والتجارية ذات الصلة بالتنمية، فقد تم عرض العديد من الوظائف الدولية المهمة عليه، وتمت إعارته من وزارة الخارجية إلى الأمم المتحدة فى نيويورك، حيث تقلد مناصب مهمة فى منظومة العمل المتعدد الأطراف لخدمة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة للبلدان النامية، وبشكل أكثر خصوصية للبلدان العربية والإفريقية.
وبالرغم من استمرار مسيرة التميز للسفير حازم فهمى مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة فى الموضوعات المتعلقة بالتنمية، واستفادة مصر والبلدان الإفريقية وبلدان الجنوب بشكل عام من تصاعد نجمه فى هذا المجال، فإنه عندما تولى السفير نبيل فهمى منصب وزير الخارجية فى عام 2013، وبدأ تنفيذ تصورًا لديه بشأن التطوير المؤسسى للوزارة، كان من أهم ما جاء به فى هذا المضمار هو تجميع صناديق التعاون الفنى لمصر مع مجموعات مختلفة من دول العالم، مثل إفريقيا أو البلاد التى كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتى السابق، أو غير ذلك، وكلها كانت صناديق تحت إدارة وإشراف وزارة الخارجية المصرية، جرى دمجها فى جهة موحدة وهى الوكالة المصرية للتنمية، وتواصل سيادته مع السفير حازم فهمى للعودة إلى وطنه ووزارته وتولى هذا المنصب الجديد العام، ولم يتردد السفير حازم فهمى فى القبول الفورى وإنهاء إعارته للأمم المتحدة والعودة ليقدم نتاج خبراته الدولية الثرية والمتنوعة والعميقة فى خدمة وطنه.
وفى محطات تالية له، وتحديدًا كسفير لمصر لدى جمهورية كوريا، نجح السفير حازم فهمى من جديد فى تحقيق التوظيف الأمثل لعصارة تجاربه وفكره الخاصة بدبلوماسية التنمية لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وكوريا الجنوبية وجذب المزيد من الاستثمارات الكورية لمصر وزيادة الصادرات المصرية إلى كوريا، فيما كشف عن وعى عميق بأهمية العمل الدبلوماسى ودوره فى تشغيل عجلة التنمية الوطنية من خلال إيجاد موارد خارجية ومدخلات تكنولوجية وتقنية من جهة وإيجاد أسواق جديدة وواسعة للمنتجات المصرية من جهة أخرى.
وستبقى سيرة السفير حازم فهمى وذكراه نبراسًا لأجيال جديدة ومتتالية من الدبلوماسيين المصريين من الشباب أتيحت لهم فرصة العمل معه والاستفادة من خبراته الوطنية والدولية الواسعة، ومن كونه كان رحمه الله نموذجًا يتعين أن يحتذى به شباب الدبلوماسيين من عدة جوانب، منها وطنيته وغيرته على مصلحة بلاده، وأخلاقياته الرفيعة، وسلوكياته القويمة، وإخلاصه لعمله ولأصدقائه ولزملائه دونما مجاملة على حساب الحق والمصلحة الوطنية.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات