نشرت صحيفة بوسطون جلوب خبرا عن صالة مزايدات فى الصين يستعد القائمون عليها ليعرضوا للبيع فى شهر أكتوبر المقبل، بين معروضات أخرى، صورة بأشعة إكس للعمود الفقرى للرئيس الأمريكى جون كنيدى. قيل عنها إنها كانت واحدة من صور عديدة التقطت لجثمان الرئيس عقب اغتياله فى مدينة دلاس بولاية تكساس عام 1962.
أثار الخبر انفعالات شتى. أعرف عن الصينيين أنهم من الأمم التى تقدس موتاها، مثلهم فى ذلك مثل شعب اليابان، وإلى حد كبير مثل الشعب الإندونيسى. لم أصدق فى البداية أن تاجرا صينيا يقدم على عرض صورة كهذه وأن صينيا آخر سيشتريها ليضمها إلى مجموعة مقتنيات غريبة.
ثم تذكرت أن الإسرائيليين، وهم أيضا من الشعوب التى يزعم قادتها أنها تحترم أجساد الموتى ومقابرهم، قاموا أخيرا بتسليط جرافاتهم على قبور المسلمين فى أحد أحياء القدس العربية المطلة على القدس اليهودية فأزالوها ليقيموا مكانها مدينة ملاهٍ. الموقف هنا لا يخرج عن كونه انتهازية عنصرية رخيصة وكراهية قصوى لكل ما هو غير يهودى.
أفهم أن نسمح لأنفسنا، أو للمتخصصين منا، بأن «نخترق» بأشعة إكس أو بغيرها جسدا رحل صاحبه عن عالمنا مطمئنا إلى أننا سنراعى حرمته إلا لمعرفة أسباب الموت أو للتقصى عن أسلوب ارتكاب جريمة.
هدفنا قد يكون الاستفادة من معلومات نستقيها من الجسد فى سعينا الدائم لتوفير صحة أفضل للأحياء. وقد يكون الهدف تحقيق العدالة ومعاقبة شخص مسئول عن جريمة تسببت فى موت صاحب هذا الجسد. ولكن ما لا أستطيع فهمه هو أن نسمح لأفراد نعرفهم أو لا نعرفهم ليقتنوا أجزاء من جسم المتوفى أو صورا لهيكله العظمى.
لا أعرف إن كان مفيدا لنا وبعد مرور نصف قرن على رحيل جون كنيدى أن نعرف الآن أن الرجل كان يتحمل آلاما رهيبة بسبب شرخ فى عظام الظهر نتيجة ارتطام قارب الطوربيد الذى كان يقوده بمدمرة يابانية خلال الحرب العالمية الثانية. أتوقع أن يختلف معى فى الرأى مؤرخون وأساتذة تشريح وأطباء استفادوا من المعلومة التى كشفت عنها الصورة ولكنى أثق فى أن أكثرهم لا يحب أن يحتفظ فى بيته بالهيكل العظمى للرئيس كنيدى أو بصورة لهذا الهيكل.
أظن كذلك أننى لن أسعى لدخول قاعة فى أحد متاحف إيطاليا يحتفظون فيها بأحد أصابع جاليليو ويعتبرونه أحد أهم مقتنيات المتحف، ولكنى مع ذلك لا أرفض كلية رغبة شخص يريد اقتناء خصلة من شعر تشى جيفارا وإن كنت أجده سخيفا لو وافق على دفع مبلغ 100.000 دولار أو أكثر لإشباع هذه الرغبة.
ومع ذلك فإن فضولى معبأ ومثار للتعرف على شخص، رجلا كان أم امرأة، بذل جهودا مكثفة وأنفق أموالا طائلة حتى استطاع الاشتراك فى المزاد بغية اقتناء جزء حساس للغاية من جسد نابليون بونابرت.
فاتنى أن أذكر أن شخصا حضر المزاد ولاحظ ازدحاما شديدا وحماسة كبيرة فى الجلسة التى أعلن أن المسئولين عن بيت المزادات سيعرضون فيها للبيع صورة بالأشعة لصدر الفنانة مارلين مونرو.
أعرف ويعرف معظم المشتركين فى المزاد أن عظام القفص الصدرى لمارلين مونرو لم تتعرض لإصابة كالإصابة التى تعرضت لها عظام العمود الفقرى للرئيس جون كنيدي، ولم نسمع أن مرضا خبيثا أو حميدا أصاب صدرها، يبقى مبرر أوحد لهذا الازدحام الشديد والحماسة الكبيرة، سبقنى فأحسن تخمينه الفنان الساخر بلال فضل، إنه الخيال الخصب الذى يحظى به كل هؤلاء الذين زايدوا ليحصلوا على هذه الصورة.