نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتب ألون بين مير، يقول فيه إن استمرار الاحتلال الإسرائيلى يقوض أمن الدولة اليهودية، ذاكرا ثلاث حجج لإثبات صحة قوله وهى: الاحتلال يحرض على المقاومة، الاحتلال يجعل أعداء إسرائيل أكثر جرأة، وأخيرا الاحتلال يرعى طابورا خامسا فى إشارة إلى غضب العرب داخل إسرائيل.. نعرض منه ما يلى.
لعقود من الزمان، انخرط قادة إسرائيل فى رواية كاذبة متعمدة ومستمرة حتى الآن لتبرير الاحتلال على أساس أنه أمر ضرورى لأمن إسرائيل القومى وأن إنشاء دولة فلسطينية سيشكل خطرًا وجوديًا على إسرائيل. وبجانب أن العديد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلى وخبراء الأمن القومى لا يتفقون مع هذا التقييم، لم يجادل أى رئيس وزراء إسرائيلى أو وزير دفاع من قبل بشكل مقنع كيف أن دولة فلسطينية ستشكل خطرا أكبر على إسرائيل من استمرار الاحتلال. فى الواقع، قيام دولة فلسطينية منغمسة فى بناء الدولة والتعاون الكامل مع إسرائيل فى جميع المسائل الأمنية (التى ستكون شرطًا مسبقًا لإنشاء دولة فلسطينية) تعزز بالأحرى الأمن القومى لإسرائيل لا تقوضه.
لذلك حان الوقت لأن يستيقظ الشعب الإسرائيلى ويتوقف عن تصديق هذه الرواية التى تجعل الأمن القومى لإسرائيل مرادفًا للاحتلال، تلك الرواية التى كان يصدقها ويطبقها بانتظام زعماء مثل نتنياهو، ورئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى بينيت، وحلفائهم. إنهم يصورون الشعب الفلسطينى على أنه عدو دائم يشكل تهديدًا وجوديًا، وبالتالى يجب السيطرة عليه بقوة. وبناء عليه، فإن أجندتهم هى ضم المزيد من الأراضى الفلسطينية، واستيطان الضفة الغربية بما لا يقل عن مليون يهودى ويهودية، وجعل إقامة دولة فلسطينية بمساحة أرض متواصلة أمرًا مستحيلًا عمليًا.
الاحتلال يواصل تحفيز المقاومة الفلسطينية داخل وخارج إسرائيل، ويزيد من استيائهم وكرههم لها، ويسمم الجيل القادم فى إسرائيل والأراضى الفلسطينية المحتلة على حد سواء. أصبح الجيل الإسرائيلى والفلسطينى الحالى ينظر إلى بعضه البعض، مثل الأجيال الثلاثة الماضية، كأعداء دائمين لدودين. إنهم يستعدون للحرب القادمة بدلا من إقامة علاقة سلمية ومزدهرة وحسن جوار.
***
هناك ثلاث حجج تظهر بوضوح كيف أن الاحتلال يدعو فعلا إلى استمرار العنف والدم، ويقوض الأمن القومى لإسرائيل، ورصيدها الأخلاقى.
الحجة الأولى، الاحتلال يحرض على استمرار المقاومة: بادئ ذى بدء، كيف يمكن لإسرائيل أن تدعى أنها أقوى دولة فى المنطقة ومع ذلك فهى تخشى مجموعات صغيرة من الفصائل الفلسطينية أكثر من دولة فلسطينية موحدة ملتزمة بحماية استقلالها ومستعدة للتعاون مع إسرائيل فى جميع المسائل الأمنية؟ صحيح أن الاحتلال يسمح لإسرائيل بالتجول دون قيود فى معظم الأراضى المحتلة لملاحقة المسلحين والقيام بمداهمات ليلية وعمليات إخلاء وسجن وهدم للمنازل متى شاءت كوسيلة لإخضاع الجانب الفلسطينى. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات الوحشية المتخذة باسم الأمن القومى فى الواقع تجعل إسرائيل أقل أمنًا وأكثر عرضة للخطر.
بعبارة أخرى، لا يستطيع أى فلسطينى قُتل طفله أو هدم منزله أو تم إخلاؤه بالقوة أن ينسى ما أصابه من قبل القوات الإسرائيلية. إسرائيل تزرع بذور الجيل الفلسطينى القادم الذى سيصبح أكثر وحشية وأكثر إصرارًا على إنهاء الاحتلال بأى وسيلة كانت ــ حتى لو اضطروا للتضحية بأنفسهم لتحقيق هذه الغاية. فعندما لا يكون لديهم شيء آخر يخسرونه، فإنهم يفضلون الموت كشهداء على أن يظلوا عبيدًا دائمين يعيشون فى إهانة ويأس. إنها مسألة وقت فقط حتى يثوروا مرة أخرى ــ وسوف تكون ثورتهم بطريقة أكثر عنفًا من أى وقت مضى.
الحجة الثانية، تشجيع أعداء إسرائيل، يزيد الاحتلال من جرأة أعداء إسرائيل، ويستخدمون وجود الاحتلال كذريعة لتعزيز أجندتهم الإقليمية. للتوضيح أكثر، إذا كانت إسرائيل مثلا قلقة للغاية بشأن التهديدات الإيرانية، فعليها أن تعلم أن إيران ليس لديها أى عزيمة أيديولوجية لتدمير إسرائيل. ففى عام 2003، عرضت إيران اقتراح سلام سرى تقبل فيه إيران السلام مع إسرائيل، وتنهى المساعدة المادية للفصائل الفلسطينية المسلحة، وتضغط على هذه الجماعات لوقف الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل.
إنهاء الاحتلال بمثل هذا الاقتراح أو بدونه كان سيحيد معارضة طهران لوجود إسرائيل وسحب البساط من تحت وكلائها ــ حزب الله وحماس والجماعات المتطرفة الأخرى ــ الذين يستخدمون الاحتلال لتبرير مقاومتهم العنيفة ضد إسرائيل.
الحجة الثالثة، رعاية طابور خامس؛، يزيد الاحتلال من نفور ما يقرب من مليونى عربية وعربى داخل إسرائيل ممن لهم صلة عميقة بإخوانهم وأخواتهم فى الضفة الغربية وقطاع غزة. إنهم غاضبون من السلوك الإسرائيلى غير القانونى فى الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة. يتم وضعهم فى موقف لا يمكن تحمله حيث يتعين عليهم الاختيار بين ولائهم للمقاطعة التى يعيشون فيها، أو قرابتهم لعائلاتهم الفلسطينية الأكبر. وتعد مواجهتهم العنيفة مع الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين فى أعقاب الحادث الذى وقع فى المسجد الأقصى فى مايو الماضى وما تلاه من اندلاع للعنف بين حماس وإسرائيل، أوضح مثال على ذلك.
إذن، ومع تصميم إسرائيل على استمرار الاحتلال، فإنها فى الواقع ترعى طابورا خامسا داخل أراضيها مما يجعلها أكثر عرضة للخطر داخليا. ولا يمكن استبعاد احتمال أن يؤدى أى حادث خطير، سواء كان إخلاءً قسريًا أو إطلاق نار، إلى إشعال انتفاضة للعرب داخل إسرائيل وفى الضفة الغربية. ولا داعى للقول إن حماس ستدخل المعركة ومن المحتمل أن ينضم إليها حزب الله وعناصر الميليشيات المدعومة من إيران فى سوريا وهم يمتلكون معًا 200 ألف صاروخ، وآلاف منهم لديهم آليات استهداف دقيقة يمكن أن تصل إلى أى مكان فى إسرائيل. ومع ذلك، يشعر القادة الإسرائيليون بالثقة فى أن الاحتلال يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى، معتقدين أنه بمرور الوقت سيقبل الجانب الفلسطينى بالأمر الواقع كأسلوب حياة.
حكومة بينيت/ لابيد تثق كذلك فى أنه إذا وفرت إسرائيل للشعب الفلسطينى المزيد من الفتات فى شكل تنمية اقتصادية وفرص عمل فى إسرائيل وبعض تصاريح البناء وإجراءات أمنية، فسوف ينسى فكرة إقامة دولة مستقلة ويعيش بسعادة خاضعا لأهواء إسرائيل. ومن خلال اتخاذ هذه الإجراءات، تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى «تقليص الاحتلال» وتخفيف الحصار على غزة من خلال تقديم برنامج تنمية اقتصادية مكثف لحماس. وتقول الحجة إن الجانب الفلسطينى سيكون سعيدا بإدارة شئونه بالطريقة التى يراها مناسبة طالما أنه يتوقف ويكف عن أى نشاط عنيف ضد إسرائيل. لكن فى حين أن هذه الإجراءات ضرورية لعملية المصالحة، فإنها لن تكون أبدًا بديلا عن الدولة الفلسطينية المستقلة.
***
باختصار، هذا هو الوهم الأكبر الذى مازال يسيطر على إسرائيل. سيبقى الاحتلال احتلالا، مهما كان ملثما، ومهما كان حجم الوجود العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.
الاحتلال يبقى أكبر تهديد لأمن إسرائيل القومى، وعلى الشعب الإسرائيلى أن ينتبه إلى هذا الواقع المرير.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا