نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالا للكاتب أمير جال أور، يقول فيه إن الصين ستصبح دولة ذات تأثير قوى وملحوظ لدرجة أنه لن يكون من الممكن لإسرائيل المضى قدمًا فى العديد من البلدان دون المرور بها. وبالتالى يجب على إسرائيل وضع سياسة واضحة تجاهها... نعرض منه ما يلى.اتخذت الصين فى الأشهر الأخيرة سلسلة من الخطوات المهمة. إذا نظرنا بعمق إلى هذه الخطوات، نجد أن وراء كل خطوة أجندة مستنيرة واستراتيجية طويلة المدى. وإذا أخذنا هذه الخطوات مجتمعة، سنجد أن هناك هدفًا واحدًا واضحًا وهو جعل الصين قوة عالمية متماسكة.
كانت الخطوات التنظيمية التى اتخذتها الصين تشمل تقييد حرية عمل عمالقة التكنولوجيا الصينيين، وتوجيه هذه الشركات القوية للتعاون مع الحكومة الصينية ومن أجلها، بالإضافة إلى تعزيز مكانتها الوطنية كقوة تكنولوجية عظمى.
أما الخطوات العسكرية فشملت إنتاج حاملات الطائرات؛ بناء جزر عسكرية فى بحر الصين الجنوبى وخطة لبناء سفن بحرية تضم عددًا أكبر من السفن يفوق العدد الإجمالى للسفن التى شكلت الأساطيل الألمانية والهندية والإسبانية والبريطانية، كل هذا كجزء من الهدف القومى للصين المتمثل فى فرض هيمنتها.
نأتى للإجراءات الإقليمية، الصين عملت على تعزيز السيطرة على المياه الإقليمية، وكذلك السيطرة على دخول المركبات البحرية قبالة سواحل الصين، وتوسيع المجال الجوى، كل هذه الإجراءات وغيرها تعمل على زيادة نفوذ الصين على المنطقة الجغرافية المحيطة بها وزيادة ثقة الشعوب وجيرانها فى قوة وصلابة هيمنتها الإقليمية.
وأخيرًا، فإن إطلاق العملة الرقمية الصينية، جنبًا إلى جنب مع فتح أسواق رأس المال الصينية على الصعيدين المحلى وأمام الاستثمار الأجنبى، وإطلاق مبادرة الحزام والطريق، وهو برنامج بنية تحتية عالمى يضم 140 دولة، هذا كله يوفر للصين محركات نمو اقتصادى وسياسى. وينعكس هذا أيضًا فى علاقاتها عبر الحدود ونظام التجارة، مثل الاستبدال التدريجى للنفوذ الأمريكى فى أفغانستان، مما يسمح للصين بالوصول إلى المعادن النادرة التى تقدر قيمتها بتريليون دولار أو من خلال معداتها العسكرية التى يتم توزيعها فى جميع أنحاء آسيا وأماكن أخرى. باختصار شديد، هذا كله جزء من خطوات الصين الشاملة نحو أن تصبح قوة اقتصادية عالمية. وبذلك ليس من المستغرب أن تسير الصين على المسار السريع لتصبح أكبر اقتصاد فى العالم قبل عام 2030.
كل هذه الإجراءات والخطوات تشير إلى استمرار طموح الصين القوى والثابت فى أن تصبح قوة مستقلة. فالصين تنوى العودة إلى وضعها التاريخى بعد انهيارها وعيشها لمدة 100 عام فى إذلال والتأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى. لذلك، يسعى الحزب الشيوعى الصينى إلى تعزيز موقفه إلى ما هو أبعد من المستوى الوطنى الداخلى. لكن لماذا حان الوقت لتطوير سياسة إسرائيلية واضحة تجاه الصين؟!
•••
من المتوقع أن تحل الصين محل روسيا فى الشرق الأوسط فى وقت تغادر فيه الولايات المتحدة المنطقة. نتيجة لذلك، سيكون تأثيرها على إسرائيل كبيرًا وواسع النطاق. الصين لديها بالفعل تأثير كبير على الدول المحيطة بإسرائيل فيما يتعلق بالسلاح والأنظمة السياسية. علاوة على ذلك، فهى واحدة من المزودين الرائدين فى العالم فى مجالات البنية التحتية وأنظمة التشغيل والبيانات والمعلومات وعمليات الموانئ والبنية التحتية للاتصالات والجامعات والمنح التعليمية. كما هو معروف، هناك أيضًا نشاط صينى فى إسرائيل اليوم، ولكنه يظل نشاطا جزئيا ليس بنفس درجة النشاط فى الدول المحيطة بإسرائيل.
بكلمات أخرى، مع ازدياد قوة الصين واتجاهها لتصبح قوة عالمية، تحتاج إسرائيل إلى الصين لموازنة السياسات المتطرفة للعناصر المعادية لها. هذا طبعا مع الوضع فى الاعتبار الخلافات الأيديولوجية مع الصين، والمطالبة الأمريكية بالابتعاد عنها.
ستكون إيران وباكستان ودول أخرى فى الشرق الأوسط تحت النفوذ الصينى. وبالتالى ستحتاج إسرائيل حتما إلى الصين لمساعدتها فى القضايا الاقتصادية، والتقنيات الجديدة، وأسواق رأس المال، والعلاقات التجارية مع البلدان الأخرى، والدخول إلى الأسواق الخارجية، وأكثر من ذلك. من المتوقع أنه فى غضون عقد إلى عقدين من الزمن، ستصبح الصين دولة ذات تأثير قوى وملحوظ بحيث لن يكون من الممكن لإسرائيل المضى قدمًا فى العديد من البلدان دون المرور بها.
وعلى الرغم من أن الصين تطور وتقوى علاقاتها مع الدول العربية التى لا تحافظ فى معظمها على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإن الصين تدرك جيدًا وقد أظهرت عبر التاريخ قدراتها فى الحد من حالات التهديد الشديد. على سبيل المثال، إذا ظهرت قضايا نووية يمكن أن تشكل تهديدًا حقيقيًا، فإسرائيل ستحتاج إلى الصين كقوة عالمية لتحقيق التوازن بين المصالح وحالات التهديد.
•••
العلاقات السياسية بين إسرائيل والصين اليوم ليست قوية بما فيه الكفاية وهى فى الواقع تعتمد على ضبط النفس. فعلى عكس البلدان التى توجد فيها مجتمعات يهودية ومؤسسات وجمعيات موالية لإسرائيل وأنشطة جسور واسعة النطاق، فإن الصين هى «جزيرة منعزلة» بالنسبة لإسرائيل. فلا يمكن للسفارة الإسرائيلية فى الصين أن تتحمل مثل هذا العبء التاريخى وحدها. كما أن المسئولين يتغيرون من كلا الجانبين بوتيرة سريعة وبالتالى هناك صعوبة فى تجميع المعرفة وتكوين علاقة طويلة الأمد بينهم.
بالإضافة إلى ذلك نجد أن الديانة اليهودية ليست ديانة قانونية فى الصين والمجتمع اليهودى صغير وغير معترف به. ونادرًا ما تمنح إسرائيل منحًا دراسية للطلبة الصينيين كما هو الحال فى الدول العربية. لذلك، عندما لا يكون لإسرائيل أى تأثير على الأجيال الصينية المستقبلية، وهناك حوالى مليارى صينى وصينية فى جميع أنحاء العالم يعتقدون أن هذا هو قرنهم، فإنها ستواجه طريقا شاقا.
حتى الآن، لا توجد سياسة إسرائيلية واضحة تجاه الصين، وخلال العامين الماضيين كانت إسرائيل تتصرف أساسًا وفقًا لما تقوله الولايات المتحدة. لكن من المتوقع أن توافق الولايات المتحدة على سياسة إسرائيلية على غرار السياسة البريطانية، وهى سياسة انتقائية، تتعاون فيها بريطانيا بعمق مع الصين ولكنها من ناحية أخرى تعارضها فى العديد من القضايا. لكن استمرار تصرف إسرائيل باعتبارها خاضعة لوصاية الولايات المتحدة بدون سياسة واضحة ومتماسكة تجاه الصين يتركها دون قدرة على المناورة والمرونة للعمل مع الصين. وقد أدى هذا الواقع إلى تدهور ترتيب دولة إسرائيل فى سلم الأهمية القومى الصينى الذى تحتفظ به وزارة الخارجية الصينية، من المرتبة 23 قبل عدة سنوات فقط إلى أقل من 100 اليوم.
يجب أن تتضمن السياسة المطلوبة تجاه الصين تحديد أهدافا طويلة المدى فى جميع المجالات: السياسة الخارجية، والاستخبارات، والتكنولوجيا، والثقافة، والأوساط الأكاديمية، والجيش، وغير ذلك. هناك حاجة إلى اتصال أفضل مع دول الطرف الثالث القريبة نسبيًا من الصين ــ على سبيل المثال المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واليونان وإنجلترا وفرنسا ــ لدعم الجسور السياسية بين إسرائيل والصين. سيحتاج البرنامج إلى تحديد الموارد التى سيتم استخدامها لتحقيق الأهداف المرجوة مع إشراك الجاليات اليهودية والاهتمام بالصورة الإعلامية لإسرائيل فى الصين.
إلى جانب صياغة السياسات، يجب على مؤسسات الدولة والمنظمات من كل من القطاعين العام والخاص دراسة إجراء اتصالات مع الصين على مستوى البحث والتعليم وتبادل المعلومات بشكل رئيسى فى مجالات الطب والطاقة والتكنولوجيا المالية والتنقل. فخلافًا للاعتقاد السائد، تحتاج الصين إلى أى معرفة خارجية فى معظم المجالات، وستحتاج إسرائيل قريبًا إلى المعرفة منها. وبناء عليه، من الحكمة دراسة إنشاء هيئات مشتركة وفهم الثقافة واللغة الصينية.
صفوة القول، إذا لم تتعلم إسرائيل تعقيدات الثقافة الصينية جنبًا إلى جنب مع فهم نظام الحزب الشيوعى والذى يسعى لإسرائيل للتشاور معه حول القضايا العالمية، فلن تتمكن إسرائيل من إنتاج جسور الاتصال اللازمة لبناء الثقة والتعاون، وخاصة فى حالات التهديد.
إن المؤسسات والقادة الإسرائيليين بعيدون عن استيعاب هذه القضية وبالتالى يعرضون مستقبل دولتهم للخطر. حان الوقت للاجتماع والبدء فى العمل على وضع السياسة المطلوبة.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: